إنها أغرب خطة اقتصادية قرأتها في حياتي، فقد كتبت وكأن الفلسطينيين يعيشون في أوتوبيا سياسية ويملكون قرارهم السياسي المستقل. ما من خطة اقتصادية يمكن أن يكتب لها النجاح، مهما كانت أرقامها براقة، دون الاستقلال السياسي.
أما خطة ورشة البحرين، فكل الشعارات الرنانة والصور الجميلة والبيانات التوضيحية التي تضمنتها الوثيقة لا يمكن أن تغلف حقيقة أساسية، وهي أن هذه الخطة لا يمكن أن يكتب لها النجاح تحت الاحتلال حتى لو افترضنا ان احدا سيقبل مقايضتها بالقدس والدولة الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
إما ان الخطة تفترض اننا جهلة أو اغبياء، أو ان من كتبها يفتقر إلى الحد الأدنى من فهم طبيعة المنطقة والشعب الفلسطيني، بل أي شعب في العالم يتوق إلى الحرية، أو يقبل بمقايضة حريته بالمال. تضع الخطة كل ذلك جانبا، وتتجاهل الشق السياسي تماما، وكأن فصل السياسة عن الاقتصاد ممكن في أي بقعة من الأرض، فتتحدث عن مشاريع وارقام في مناخ سوريالي لم يسبق لأي إدارة أميركية سابقة، مهما كانت درجة انحيازها لإسرائيل، أن أظهرت مثله، أو مثل هذا التساذج والفذلكة التي لا يجب أن تنطلي على أحد.
بطبيعة الحال، فإن هذه الخطة ليست نتاج سذاجة سياسية، بل مواقف أيديولوجية ممن كتبوها (كوشنر، غرينبلات وفريدمان) في محاولة مكشوفة لمقايضة القضية الفلسطينية بإغراءات اقتصادية وكأن الموضوع بيع قطعة أرض.
تتحدث الخطة عن فتح الضفة الغربية وغزة للاستثمارات والأسواق الخارجية ولا تذكر مرة واحدة الاحتلال الاسرائيلي أو الـ650 حاجزا امنيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتضع أهدافا طموحة للغاية مثل خلق مليون فرصة عمل وتخفيض معدل الفقر إلى النصف دون ان تشرح كيف يمكن تحقيق ذلك تحت الاحتلال. وتعد بخمسين مليارا نصفها من القروض، وان تحدثت تقارير سابقة عن توقع الإدارة ان تدفع الدول الخليجية جل هذا المبلغ، ونعرف جميعا ان هذا ليس واقعيا. كما ان هذه الخمسين مليارا موزعة على عشر سنوات وبحسب تقديرات الدكتور مصطفى البرغوثي لن تتجاوز حصة الفلسطينيين ثمانمائة مليون دولار سنويا، أي اقل مما كان الفلسطينيون يحصلون عليه من المجتمع الدولي قبل سنوات قليلة. أما حصة الأردن من منح وقروض، فستبلغ سبعة مليارات ونصف على مدى عشر سنوات، أي سبعمائة وخمسين مليون دولار سنويا وهو نصف ما تقدمه الولايات المتحدة للأردن اليوم!
كما تسرد الخطة نماذج لدول عدة تمكنت من تحقيق الرخاء الاقتصادي لشعوبها مثل كوريا الجنوبية وتايوان واليابان وسنغافورة مغفلة تماما ان كل هذه كانت دولا مستقلة صاحبة قرارها السياسي والاقتصادي وليست تحت الاحتلال.
ومن اخطر ما جاء في الخطة استخدامها لتعابير تدل على نية الإدارة الاميركية تصفية القضية الفلسطينية سياسيا، فتتكلم الخطة عن “المجتمع الفلسطيني” وتتجنب أي إشارة إلى دولة فلسطينية وعن “الطموح الفلسطيني” وليس حق تقرير المصير أو السيادة الفلسطينية.
ليس في هذه الخطة أي ايجابيات واقعية، بل هي مؤامرة واضحة على الشعب الفلسطيني. سأتجاوز التعليق على القرار الأردني الذهاب إلى البحرين. أما وقد فعلنا، فإنني آمل ان نقف ضد الخطة بنفس الصلابة التي أظهرها جلالة الملك في الأشهر الماضية، وان نرفضها جملة وتفصيلا، فمحاولة فصل الاقتصاد عن السياسة وتقديم خطة اقتصادية ظاهرها تحسين حياة الفلسطينيين وباطنها تصفية القضية الفلسطينية مكشوفة بامتياز، ولا يصح أن يتم إعطاء أي إشارة إيجابية نحو مثل هذه المحاولة البائسة.
الغد