لا تصالح ولو منحوك الذهب.... أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما، هل ترى ! هي أشياء لا تشترى....."أمل دنقل".
لو كان للمال فضل أثر في نفس ذي الحق وقلوب حملة الرسالات، لاكتفى سيدنا سليمان بذهب بلقيس، لكنها أتته حين قابل عرضها بالرفض، طائعة مسلمة.
في كل مفاصل التاريخ وفي كل تفاصيله، كان المال وسيلة الترغيب والترهيب في المساومة على حق مضاع أو على هوى مطاع. لكنه أبدا لم يكن بإمكانه قلب الحقائق ولا مَلَكَ تغييرا لا في الجغرافيا ولا في التاريخ.
عرفنا، بطبيعة الحال، كيف كان الإستعمار يأخذ أشكال الثقافة والإقتصاد وما تلاه من ذر الرماد في العيون، لكننا اليوم أمام شكل آخر من أشكال الاستعمار والحروب والبلطجة المبهرجة، شكلٍ يسوّق الخديعة والغواية والتضليل كبضاعة رائجة في سوق مختلفة متلوّنة خادعة، وهذا وأيم الله، ما يبعث في النفس حسراتها:
فإِذَا أَقْبَلَتْ كَانَتْ عَلَى الْمَرْءِ حَسْرَةً ..
وَإِنْ أَدْبَرَتْ كَانَتْ كَثِيرًا غُمُومُهَا.
وكان منها إعياءٌ في المبدأ وفي القاعدة، وسقم في الفهم والفكر على حدٍّ سواء.
لا يمكن لعاقل على وجه هذه البسيطة، أن يقبل وصفة التسوية السقيمة. إنها انقلاب على الشرعية الدولية، وتغييب لحقائق التاريخ وإعدامٌ له. لم يكن رغد الحياة أبداً بديلاً عن الحس العميق بمعنى الوطن، ذاك من بدايات تكوين الحلم، ومن صهيل خيول الكون منذ أول التاريخ، وإلّا، فما معنى أن تكون إنساناً قبل أن تكون ذا مبدأ وحرية واعتقاد...
موقف هذا الوطن واضح بشكل ساطع، مثلما هو واضح وجلي حجم الثمن الذي يدفعه نظير مواقفه. لكن غير الواضح وغير الجلي، هم أولئك الذين يعبدون هذا الوطن على حرف، وهو عندهم وطن المواقف إذا وافقت أهواءهم، وهو بلد التطبيع ومفتتح التصفيات إذا خالف تلك الاهواء.
ليس من مصلحة أحد إضعاف وطنٍ كان قدره ان يكون في عين العواصف منذ بدءه وطنا قوميا لكل العرب، وعلى كل الذين يتباكون من خلف الشاشات ولوحات المفاتيح، أن يدركوا أن ثمة ما هو صعب وقاسٍ، وأن لكل موقف مشرّف ثمنا مكلفاً، وأن مبدأ التوازنات في السياسة والإقتصاد هو منهج كل العالم منذ بدء الخليقة، وأن يعيدوا التفكير بمصائر الدول ومصارع الشعوب، تلك التي تتلاعب بها القوى الخفيّة، وقد رأينا نتائجها الكارثية في كثير من التجارب.
في سماء الخليج، في الورشة التي تلتئم مثل مشي النعي في دار عرس، لن يكون بمقدور خيالات المليارات وأحلامها رسم غيمة على رؤوس المعتقدين بالحق، ولن يكون بمقدور جوهرتين مكان العينين الرؤية، ولا منح الرعاة في السفوح، ناياً يغني حين تخترق الريح ثقوبه، وستبقى أناشيدنا ومواقفنا ثابتة ما قام هذا الوطن، وما قامت الحجة على اللاعبين والمغتصبين والمحتلين.