أذّكر بمقولة «هيردوت» الإغريقي عن أحد ملوك زمانه الذي انتصرعلى التحديات الجسّام، قوله «كان حوله الكثير من الرجال والقليل منهم المقاتلون»، من هنا نذهب للمشهد الذي أثار إعجاب الملايين ممن شاهدوا جلالة الملك في الكرك وهو يزاحم مرافقيه وموظفي ديوانه، ليجمع أظرفاً واستدعاءات تحمل مختلف طلبات المواطنين لإيصالها للملك مباشرة لا للوزراء، ذلك المشهد لا تجده في مكان آخر من هذا العالم لسببين، العالم الأول تأتيه الخدمات ولا يموت بانتظارها، والعالم الثالث لا تجد ملكاً أو رئيساً يتجول كثيرا بين أبناء شعبه، لهذا نحن في العالم الثاني الذي يحتار المرء في وصفه.
آخر ما يحتاجه الملك، في هذه المرحلة الخانقة، النفاق والكذب، وهما صفتان لا يحبهما الملك بالمناسبة، فصراحته تفوق توقعات أي مستخبر أو حافظ أسرار، فليس هناك ما يخشاه أو يخجل منه، الكتاب مفتوح ومن يفهم فليقرأ، وليس أدلّ من ذلك أكثر من جرأته وصراحته في رفض الخطة العالمية لتقويض السلام التي تقودها واشنطن، حليفتنا، والحكومة الإسرائيلية، لاستهداف القضية الفلسطينية، فجلالته أعلنها على الملأ بالعربي الفصيح والإنجليزية الشكسبيرية، لرفض الصفقة ببنودها المعلنة وعدم المساومة على السيادة الوطنية، ولم يأبه للضغوط المعلنة والمخفية.
لنقلب الصفحة لآخر الكتاب، عنوانها المسؤولون ومنهم رجال الدولة السابقون، ففي خلال الأيام القليلة الماضية قمت بمساعدة زملاء أردنيين يعملون مع محطات أميركية كبرى في إجراء مقابلات مع مسؤولين أردنيين بحجم وزراء عاملين أو رؤساء ووزراء سابقين على الأقل، ليتحدثوا في موضوع صفقة القرن والموقف الأردني ووجهة النظر الأردنية، ليقدموا الرواية الأردنية بحبكة تعالج الموقف، وتدعم مواقف الملك وتظهر أن هناك شعبا أردنيا مثقفا وواعيا لا يستسلم للعصا والجزرة الأميركية أو غيرها، ولكن للأسف الاعتذارات جاءت تباعاً، يرفضون الوقوف أمام عدسة محطة «فوكس نيوز» الأشهر عالمياً.
ليس حباً منا لمحطة «فوكس» ذات التوجهات المعروفة، ولكنها فرصة تأتي لتقديم وجهة نظر أخرى غير التي تقدمها غرفة الأخبار في واشنطن لستين مليون مشاهد، ويتابعها غالبية قادة العالم والمسؤولين، بينما يهرب رجالنا من المواجهة، عدا من لم تسمح ظروف سفرهم أو وقتهم، فهل هناك قرار لا نعرفه؟
خلال السنوات الماضية تعاملت وزملاء مراسلون، مع محطات أميركية ويابانية ولاتينية، مجانا للعلم، وأخرجنا روايات تدعم جهود الأردن والملك في القضايا السياسية، وعن جهود القوات المسلحة واحتياجاتنا الدفاعية، عن اللاجئين واحتياجات الحكومة، عن «الأونروا» وخطورة تقليص موازنتها، ومع هذا لم نخرج «لايف» أو ننشر"عاجل» لنتكلم بأسرار رسمية لا تفيد العامة ممن يخوضون بالمغالطات دون معلومات.
وهنا نطرح السؤال للسيد «هيردوت»: ماهي صفة الرجال الذين قاتلوا مع الإسكندر، ونسأل أنفسنا: أين رجال الدولة وقت «الجولّة»؟ أين المناصب وأين الرواتب؟ ماذا لو كتب علينا القتال هل نقاتل؟
الراي