قياساً على مقولة الرئيس اردوغان «مَن يظفَر بأسطنبول، فإنه سيظفَر بتركيا كلها»، يمكن القول: أن مَن يخسرها سيخسر تركيا بأكملها»، وهي النتيجة التي بدأت تُلقي بظلالها عليه، بعد الهزيمة المُدوية التي الحقها جمهور المدينة الكوزموبوليتية الاشهر بمرشح اردوغان بنعلي يلدرم، الذي بات من الماضي سياسيا، بعد احتراق «ورقته» التي أصرّ الزعيم التركي المراهنة عليها، فاذا بالنتيجة التي رفض الاعتراف بها في جولة آذار الماضي التزاما بقواعد اللعبة الديمقراطية، بفارق لا يتعدّى (13000 صوت) لصالح «النجم الصاعد» في الفضاء التركي (وربما الاقليمي) اكرم إمام أوغلو، تُوسِّع الهوة قافِزَة بالفارق الى (777 ألفاً)، على نحو لم يكن بمقدروهما، اردوغان ويلدرم، سوى الاقرار بالهزيمة عبر العودة المُزيّفة للتغني بالديمقراطية واحترام «إرادة الشعب التي تجلّت مرة أخرى» وفق تغريدة اردوغان عقب «اعلان النتائج».
ليس ثمة ما يدعو للشماتة، لكن لمعركة رئاسة بلدية اسطنبول نكهة اخرى، يكاد يُلخِصها الجدل الذي تلا يوم 31 آذار الماضي، عندما تقدم اوغلو على يلدرم. لكن عقلية صاحب نظرية «انا أو لا أحد»، كانت المُحرك الاساسي لسيناريو «الانقلاب على الصناديق» كما وصفَت المعارضة التركية ضغوط اردوغان (التي نجحت) بإلغاء الانتخابات وإعادة اجرائها في 23 حزيران الجاري، على النحو الذي كرّسته إرادة جمهور اسطنبول الذي صوّت بالأَقدام احتجاجا على رفض الحزب الحاكم خصوصا رئيسه، المنتشي بتحويل النظام البرلماني المُكرّس منذ العام 1923 الى نظام رئاسي. هذا التحوّل الذي أسهم ضمن امور اخرى بالهزيمة الاخيرة (...) ما يُؤذِن ببدء رحلة الافول السياسي للحزب الحاكم ورئيسه، الذي لم «يذق» طعم الهزيمة منذ العام 2003، وجاءت الضربة الأقسى من المدينة التي شهدِت بزوغ نجم اردوغان وجلوسه في قصر شنقايا ثم القصر الرئاسي الفخم الذي يضم في جنباته «ألف غُرفة».
اربعة أعوام تفصلنا عن العام 2023، وهو العام الذي سيشهد انتخابات رئاسية مُثقلة بالدلالات، خصوصاً انه العام الذي تحلّ فيه الذكرى المئوية لقيام جمهورية اتاتورك على انقاض دولة الخلافة، ونجاح مصطفى كمال في «استعادة» اراضي تركيا الحديثة بعد معاهدتي لوزان وسيفر. وهو – ايضا – العام الذي قد يكون فيه اكرم امام اوغلو رئيس بلدية اسطنبول, الذي استعاد مقعده (كان يصِف نفسه خلال حملة الإعادة انه رئيس بلدية اسطنبول «المعزول»)، هو الذي يقف في مواجهة اردوغان مرشحاً عن احزاب المعارضة لرئاسة الجمهورية. واذا ما سارت امور المعارضة – حينذاك – كما حالها في مواجهة مرشح اردوغان (يلدرم)، فان هزيمة اخرى ستلحق بالرئيس التركي الذي سيكون قد مضى على وجوده في مقدمة المشهد التركي (20) عاماً.
الراي