"بترا" رافعة إخبارية أردنية مهملة ومقيدة
خلدون عبدالسلام الحباشنه
24-06-2019 04:04 PM
رغم القبضة السياسية المحكمة للحكومة الأردنية والتي تنطلق من مراعاة مستمرة لكون (بترا) ذراعا إعلاميا إخباريا ناطقا باسم الدولة الأردنية وهي بهذا التوصيف التقليدي المصدر الأساسي الموثوق للخبر، إلا أنها وبجهود فريقها الإداري والصحافي تعتبر أيضا الممول الأول للصحف اليومية والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية، موازنتها "العائلية" وسلم رواتب موظفيها الإداري والصحفي واللوجستي لا يعادل مكافآت عضو مجلس إدارة في إحدى الشركات الكبرى التابعة للحكومة، ليس انحيازا ولا ركونا إلى مبالغات إنما عزيمة الفريق العامل في (بترا) ومن خلال مؤشرات الأداء النوعي والكمي وباعتراف رؤساء تحرير صحف ومواقع أردنية تشير إلى أن ما نسبته 90 بالمئه من محتوى الصحف والمواقع ملكية فكرية لـ(بترا) في دلالة مباشرة على حجم الفعل المؤثر إعلاميا لهذه القلعة الوطنية الشامخة.
إلا أن دفقة الضوء تجرح رؤى المقيمين في العتمة، وإنني إذ أتجاوز بعثرة البعض لنفسه في متاهات السؤال، أتقدم بجرأة وطنية لأعلن إجابة أعلنت نفسها ولم ينتبه إليها أحد.
الرجل نقل ما سمع؛ ولا شأن لنا بالحبر المراق بعد هذا، بعد هذه الحقيقة، علينا أن نعترف أن مسؤولين يقفون موقفا عدائيا من(بترا) تعاقب الحكومات وتناوب وزراء الإعلام منذ عقود لم يمنحها حقها المعنوي ولا المادي على الرغم من أن غالبية وزراء الإعلام صحافيون.
فتح ملف (بترا) التي يرزح فريق العمل فيها تحت وطأة خط الفقر المالي هو مصلحة وطنية أردنية ملحة، أوضاع الصحفيين والعاملين فيها المالية التي صنفت على أنها الأقل على مستوى النقابات المهنية في الأردن من حيث الأجور، في حين يقدم هؤلاء المهنيين المحترفين مقاربة تثبت علو كعبهم الإعلامي وطنيا من خلال الحقيقة التي لا يعرفها القارئ العادي والصحافيين والقراء إن 90 بالمئة من محتوى الصحف اليومية "الدستور والأنباط والغد والرأي والسبيل وصوت الشعب" مستقى حرفيا من "بترا" وهي شهادة أوردها الزميل علي سعدا بحيث أن توقف بترا عن العمل ليوم واحد وتحت أي ظرف يعني أن هذه الصحف ستحتجب أو تصدر بيضاء وستعاني المواقع الإلكترونية وحتى الفضائيات الإخبارية أيضا.
في السياق المعلوماتي فإن الإنتاجية العالية للأقسام الأخبارية والتحريرية وعلى رأسها التحقيقات والمحافظات تعود إلى الحرفية والمهنية والمسؤولية الوطنية، ببساطة لأن الشباب لا يعملون بالقطعة ولا من أجل مكافآة بل بوازع وطني ولمن أراد التحقق أن يطالع إحصاءاتها اليومية والشهرية والسنوية التي شملت كافة أنواع الفنون الصحفية ومختلف القطاعات وخصوصا التحقيقات ذات الأثر الفاعل.
الحكومة الأردنية لم تعد مطالبة فقط بدعم موازنة هذه المؤسسة فقط ورفع رواتب موظفيها على الأقل للوصول إلى مستوى إنفاقها على نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل شهريا أو بلوغ مستوى خط الفقر، بل باتت مطالبة بمنح كوادرها الوطنية الناضجة مساحة الحرية المطلوبة والتجاوب مع مطالباتهم في أن يكون المدير العام من بين كوادرها، ومراعاة ان يكون مجلس إدارتها من ذوي الخبرة الإعلامية.
ما تعرضت له ( بترا) اخيرا من من هجوم خارج سياقات النقد ويندرج تحت بند الاساءة، لم يكن ليتعرض لمنتجعات اعلامية تعيش بذخا في موازناتها وترفا في امتيازات كوادرها دون أي انتاجية خارج سياقات النقل للمنقول او السرد للمسرود يجعلنا مطالبين بمواجهة الحقيقة.
شهادات الزملاء الصحفيين التي توالت بحق (بترا) مشرفة، وبيان نقابة الصحفيين الذي استغرب واستهجن ورفض ما صدر بحقها مشرف ايضا وتبنيه مطالب الزملاء العاملين فيها وخاصة ما ذكره البيان عن التحديات المالية وسلم رواتب موظفيها يشكل ضمانة حقيقية لتطوير الأداء الذي واكب التطورات التكنولوجية والرقمية وركز على التدريب والتأهيل في ظل ظروف صعبة.
الإهمال المتعمد لن يزيد فريق عملها إلا إصرارا على إثبات القدرة والتقييد لن يمنعهم من التقدم لكنه يشكل جرحا غائرا في كبريائهم الوطني، خاصة وأن المرحلة تعيش انكسار النموذج التقليدي، والإيقاع الإعلامي يفرض معطيات جديدة، وعلى من يريد التخطيط المتطور وفرض منهاج لتربية الإعلامية إن يعي أن النص الإعلامي الجديد والمطلوب لا يعني أنموذجا بديلا بل بيئة وظروفا بديلة للوصول إلى تجربة قرائية جديدة.
يحضرني هنا نذار وجه لصحفي بذريعة إحراج المؤسسة مع احد الوزراء؛ ومكافآة بدل تنقلات قدرها عشرون دينارا، أتوقف الآن حتى لا أنكأ جراح الزملاء ولكني أقول إن خيول وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الأصيلة وفرسانها لن تتدافع من أجل حقوقها لكنها ستعلي من صهيلها الوطني.