ظلم واجحاف وظيفي تحت بصر الحكومة
المحامي محمد الصبيحي
10-10-2009 05:13 PM
القراءة في أرقام دائرة الاحوال المدنية والجوازات ممتعة حين تكتشف مثلا أن الاردنيين فرحوا بولادة 205 آلاف مواطن جديد في العام 2008 وبزواج 73 ألف شاب، ولكنهم حزنوا لوفاة 22 ألف مواطن وطلاق تسعة الاف سيدة في نفس العام.
وغير الممتع أيضا أن تقرأ أن دائرة الاحوال المدنية والجوازات التي تضم ألف موظف بمن فيهم المراسل والحارس أنجزت 2 مليون وستمائة وواحدا وعشرين ألف معاملة بانواعها خلال العام 2008 ، وبعملية حسابية بسيطة وباعتبار أن معدل الوقت اللازم لكل معاملة هو نصف ساعة فان الدائرة عملت بشكل متواصل ودون أي توقف 4964 ساعة يوميا خمسة أيام في الاسبوع فيكون كل موظف فيها لم يرفع رأسه لمدة خمس ساعات يوميا. وأن مليوني مواطن على الاقل راجعوا مكاتب الدائرة المنتشرة في المملكة سنويا وجه كل واحد منهم سؤالا أو أكثر لموظف أو أكثر في العام ، بمعنى أن كل مواطن أردني فوق سن الخامسة عشرة زار دائرة الاحوال المدنية والجوازات مرة واحدة في العام على الاقل.
القضية الانسانية في الموضوع وعلى سبيل المثال فان موظفا جامعيا يحمل شهادة القانون بتقدير جيد جدا ويعمل في دائرة الاحوال المدنية منذ عشر سنوات بمرتبة مساعد مدير الدائرة القانونية يبلغ اجمالي راتبه اليوم 295 دينارا فقط، ولو أنه توجه الى القضاء لكان الان قاضيا في محكمة الصلح أو البداية براتب يتجاوز الفا وخمسماية دينار . أما مدير عام الاحوال المدنية فراتبه الشهري لايصل الى 1500 دينار، وليس له ما لغيره من الامناء العامين الاعضاء في مجالس الادارة واللجان والسفرات والمياومات ، وبالمحصلة فان متوسط راتب موظف دائرة الاحوال المدنية قد لايتجاوز مائتي دينار شهريا لخمس ساعات عمل متواصلة دون توقف، بينما يتقاضى الحلاق في عمان اربعة أو خمسة دنانير ليقص شعرك خلال ثلث ساعة وأعتقد أن العمل في ( حلاقة الشعر ) أو التمديدات الصحية أجدى من الناحية المالية من العمل في هذه الدائرة.
وحين كنا نسمع أن موظفي القطاع العام يشربون القهوة ويطالعون الصحف كمؤشر على البطالة المقنعة وكان هناك من يقول أن المعدل الزمني للعمل الفعلي لموظف الحكومة لايتجاوز ساعة واحدة في اليوم كان هناك من يطالب بتخفيض عدد العمالة في القطاع العام ولكن أحدا لم يسمع نداءات ديوان الخدمة المدنية حول تضخم عدد موظفي القطاع العام وسوء التوزيع ، وعلى سبيل المثال فان مرافق عامة مثل الاحوال المدنية والمحاكم تعاني من ضغط العمل الشديد على الموظفين ومرافق عامة أخرى مثل البلديات وبعض الوزارات تعاني من البطالة المقنعة وازدحام الموظفين (وقلة الشغل) ولو حاولت الحكومة تصحيح التوزيع فستنهال عليها الانتقادات والوساطات لأن كسالى كثيرين سيرفضون بشدة الانتقال من عمل مريح في دائرة كذا الى عمل متواصل في دائرة الاحوال المدنية أو المحاكم.
ما يحدث ظلم كبير يقع على موظفي دائرة الاحوال المدنية والجوازات فبينما يتصببون عرقا من كثرة المعاملات وضغوط المراجعين يشرب غيرهم قهوة ويتصفحون الصحف وينعمون بالمغادرات الرسمية الوهمية بدون حساب، وحتى تتحقق العدالة لابد من حوافز صعوبة عمل مجزية حتى يصبح الانتقال الى العمل فيها مطلبا يستحق التوسط ، وبغير ذلك فان الزيادة السنوية التي تشمل كل موظفي الدولة لا تحقق العدالة فالاكثرية يقبضونها دون جهد مقابل.