السياسية بين المبادئ الثابتة والمصالح المتغيرة !
د. حازم قشوع
23-06-2019 08:38 PM
هنالك إنطباع عام بات يصعب عليه التمييز بين صورة الحدث ومغزى الحدث ، عندما أُخذ يُقرأ الحدث من واقع إنطباعي وليس من زاوية موضوعية ، وهي النظرة التي أصبحت تشكل وجهة نظر العامة ، لا بل أصبحت لدى البعض تشكل تلك الحقيقة الكامنة ، التي يجب أن تبنى عليها فرضيات الأحداث القادمة ، بكل ما فيها من خطط ، مستنداً بذلك إلى تلك الصورة الانطباعية التي تكونت بأذهان العامة ، والتي جعلت من الواقع المنظور مشكوكاً فى أمره وجعلت من المستقبل المعلوم أمراً لا يمكن إستدراكه .
هذه الصورة تم رسمها بالأذهان بسبب الصمت العميق للرأي وإعطاء مساحة للرأي الآخر فى التعبئة والتوجيه ، على الرغم من تمادي الرأي الآخر إلى الحد الذي وصل إليه الحال لإعطاء الشهادات الوطنية وصكوك البراءة لهذا الشخص أو لتلك الفئة ، نتيجة حالة الصمت التي تخلى البعض فيها عن مسؤولياته فى مواجهة الرأي العام بينما إقتصر دور البعض الآخر الذي من واجبه التصريح ، على التلميح فقط بصورة أدت إلى توسيع الهوّه بين صناع القرار والرأي العام وهذا كان واضحاً في إستطلاعات الرأي التي أجراها المركز الإستراتيجي في الجامعة الأردنية ومركز راصد ومن قبل كل ذلك المجلس الإقتصادي والإجتماعي .
إن الفرق العلمي في المعادلة السياسية ينشأ من واقع تباين ميزان القياس بين ضوابط القيم ومصالح العمل ، وهذا مرده لمعادلة القياس التي يستخدمها العامة عند قياس الصورة ، فهي مع الأسف ذات الأداة التي يستخدمونها عند قياس المضمون ، وهنا تكمن الإشكالية ، بين ما يراد تكوينه وما يتطلب ترسميه ، وكلا الأمرين لا توضحهما الصورة ، لأن معادلة التكوين تقوم على إستراتيجية ذاتية ولا تحسب وفق سياسة آنية كما أن معادلة الترسيم تقوم على مناخاتِ وخرائطِ الظرف الموضوعي التي ترصد الحدث وتضعه فى السياق العام والذي يقوم عادةً ، على أولويات المرحلة ومقتضيات التكوين ، والتي يتم التعامل معها في الظرف الحالي وفق أولويات تجنب الدخول فى منزلقات تاريخية ، من خلال الإشتباك مع الحدث ، ليس لتحقيق إنتصار لكن بغية شراء مزيد من الوقت ، حتى يتغير المناخ ، أو إلى إنتهاء مرحلة الإهتزازات المفتعلة التي ترافق صناعة الحدث ، وهو ما تظهره الدبلوماسية الأردنية في تعاطيها العقلاني مع نظرية الإحتواء الإقليمي ، والتي مازالت تخيم على المجريات الأمنية والسياسية والإقتصادية ومسرح الاحداث المفتعلة في المنطقة .
فإن الثابت الأصيل المؤيد بشرعية تاريخية ودينية ، لن يكون إلا ثابت وإن تحركت أغصانه ، والمتحرك الوحيد هو نبض القلوب تجاه حياة آمنة ومستقرة للوطن وحياة كريمه لأبنائه ، عنوانها دور الأمة الجيوسياسي وقضاياها المركزية ، وخصوصاً مكانة القدس في القلب السياسي العربي كما في وجدان أبناءه وقيادته .