العدالة الضريبية
المحامي عبد اللطيف العواملة
23-06-2019 11:54 AM
جاءت الحكومة، او بالاحرى رئيس الحكومة الحالي، بعد رفض قانون ضريبة كان برأي الناس جائراً، مع انه قد تم في نهاية الامر اقراره بمجمله و معظم تفصيلاته الاصلية. في الدول الريعية، او الراعية، كالدول النفطية الكبرى، و التي لا تعتمد فيها الحكومة على الضرائب، و بالاخص ضريبة الدخل، فللحكومة القدرة على تقرير النفقات و اولوياتها بالشكل الذي تريده الى حد كبير ما دام انها توفر الاساسيات و على رأسها الوظائف. اما في الدول التي تعتمد على الضرائب، فانها بحاجة الى اخذ رأي دافع الضريبة في عين الاعتبار في السياسات و الاستراتيجيات و قرارت الموازنة و مجالات الصرف.
و اخذ رأي الواطن دافع الضريبة له عدة وسائل منها الانتخابات و تشكيل البرلمانات. فالمبدأ العام العالمي ينص على انه لا اقرار لضريبة من غير تمثيل شعبي. و اذا كان هذا التمثيل قاصرا، هيكليا و عمليا، كما هو الحاصل عندنا، يتجه الناس الى الشارع و ادوات الاحتجاج الاخرى كوسائط التواصل الاجتماعي و الاعلام البديل.
بعد تلاشي اعمدة اقتصادنا التقليدية و التاريخية، اصبح عماد الايرادات الحكومية هي الضريبة بكافة اشكالها من دخل و مبيعات اضافة الى جمارك و رسوم مباشرة و غير مباشرة تعتمد في جلها على المواطن من عامل، او مزارع، او موظف، او تاجر، و كذلك صاحب المهنة. هذا التغير و الذي كان من اهم تداعياته عدم قدرة الحكومة على توفير الوظائف بالشكل الكافي و العادل، و ضعف في الخدمات الاساسية كتعليم و صحة و مرافق عامة، ادى الى تحجيم الطبقة الوسطى بشكل خاص و خلق حالة من عدم الرضا عن الاداء الحكومي.
مشكلة الضريبة بحسب المختصين مركبة. الشق الاول هو غياب العدالة من حيث عدم اعتماد الضريبة التصاعدية الحقيقية و التي تضمن ان يدفع صاحب الدخل الاعلى ضريبة اكبر توازي مدى استفادته من الوضع القائم. الشق الثاني يتمثل في التوسع الهائل في ضريبة المبيعات و الذي بطبيعته يؤثر بشكل اكبر سلبية على ذوي الدخل المحدود و المتوسط. و هذا ما يشكل غياب العدالة الضريبية و خصوصا في ظل شح الوظائف، عددا و نوعا، و تدني فعالية استراتيجيات الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة و المهمشة.
لا بد من مراجعة عاجلة لقوانين ضريبة الدخل و الشركات و المبيعات لضمان العدالة المجتمعية. و الاعتماد الجائر على ضريبة المبيعات، لانها اسرع و اسهل، ادى الى تفاقم المعضلة. الضريبة التصاعدية تحقق العدالة و القبول المجتمعي. هناك شبه اجماع مثلا بان البنوك لا تدفع ضريبة عادلة و الامثلة الاخرى كثيرة. التحدي في ضريبة الدخل ايضا هو التهرب و لا بد من معالجة ذلك و بشكل شفاف.
مطلوب مراجعة شاملة و عميقة تحقق العدالة الاجتماعية قبل ان تفقد حكوماتنا القدرة على انفاذ رغباتها في التخطيط الحكومي الناجح. تحليل ما سبق يعيدنا الى نقطة الاصل حيث ان السياسة تسبق الاقتصاد و ليس العكس، و للحديث بقية.