للكتب فضائلها، ولبعضها أفضال كثيرة، والقليل منها لا يُنسى، لها في دواخلنا حضور البيوت التي عشنا فيها طفولتنا المبكرة. فهي تذكرنا ببدايات تسلل الوعي الى عوالمنا الخاصة والعامة.
باكورة قراءاتي المتواضعه لمؤلفات الفكر السياسي والاقتصادي بدأت بثلاثة كتب في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي. تكشف عناوينها عما كان محط اهتمام الشباب من مواضيع في تلك الفترة.
(صراع الطبقات) كتاب لأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة السوربون ريمون آرون. وهو مجموعة محاضرات ألقاها على طلبة كلية الاقتصاد في العامين 1956 و 1957 طرح فيها 19 سؤالاً حول نظرية صراع الطبقات لماركس، وأجاب عليها من واقع الحياة العملية للمجتمع الصناعي. لقيت المحاضرات اهتماماً واسعاً فوضعها لاحقاً في كتاب صدرت طبعته الأولى بالعربية عن منشورات عويدات في بيروت العام 1965. يفكك الكتاب نظرية صراع الطبقات بمنهج بحثي يعتمد على أمثلة من واقع ومستجدات تطور الصناعة.
(فلسفة الحياة العامة) كتاب للصحفي والكاتب السياسي الأمريكي المعروف والتر ليمان. صدرت طبعة الكتاب الأولى بالعربية في العام 1960 بالتعاون ما بين مؤسسة فرانكلين الأمريكية ومكتبة النهضة المصرية. كتاب في الفكر السياسي حاكم بعمق تجربة الديمقراطية الغربية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الكونية الثانية 1945 مستنداً لمؤلفات أهم المفكرين السياسيين الغربيين الذين تناولوا التجربة بالتقييم، وكشفوا عما شاب استقلال السلطات، وأدى إلى تسرب سلطات الحكومات إلى المجالس النيابية، ومنها إلى الكتل الانتخابية واللوبيات المختلفة. وهو ما أدى إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات، وخضوع الحكومات للوبيات الضغط وقادة الكتل الانتخابية، وضعف الحكومات وإخفاقها في إدارة شؤون الحرب والسلام والتسبب بحربين كونيتين خلال 25 عاماً.
(منعطف الاشتراكية الكبير) كتاب للمفكر الفرنسي الكبير روجيه جارودي القائد الشيوعي الأسبق والمسلم لاحقاً بمعايير اعتقاده الخاصة التي أعادته بعد إسلامه إلى ما أسماها الديانة الإبراهيمية باعتبارها في نظره الديانة الجامعة بين ما تعرف بالديانات السماوية الثلاث. أبرز ما في الكتاب استشرافه المبكر لأثر التكنولوجيا الكبير على الاقتصاد والمجتمع، وتوظيفه لذلك في نقد فكرة الصراع الطبقي. وكشفه لما أسماه أزمة فكرية لدى قادة الحركة الشيوعية مرجعاً ذلك إلى عجزهم عن استيعاب آثار الثورة الصناعية الثالثة والتطورات التكنولوجية المتسارعة التي صاحبتها. كما طرح في كتابه خمس أسئلة جوهرية كبرى ووضعها برسم الاجابة أمام الفكر المستقبلي. ووسم كتابه بشعار (لم يعد السكوت ممكناً). كتاب جارودي هذا أدى إلى فصله من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي في العام 1970.