مهما حاولت الهروب منه إلا أنه ما زال يطاردني حتى اللحظة فلم أجد طريقة للانفكاك منه سوى الكتابة عنه.
لقد تابعت موجوعاً مشهد الازدحام والتدافع الشديدين أمام كوّة في أحد «المولات» يخرج منها بعض «أطباق البيض» وتحملها الأكف بكل زهو وانتصار والسبب أن مركز التسوق الشعبي أعلن بشكل مفاجئ ولفترة محدودة عن تخفيض كرتونة البيض الى 89 قرشاً.. فركض الحضور وتزاحموا وكادوا يتقاتلون للحصول على الغنيمة الاقتصادية التي تراءت أمامهم كحورية في بحر من الغلاء، نعرف جيّداً أن الفقر قد بلغ مبلغاً لم يصله من قبل، وأعرف أن رب الأسرة يتحوّل الى آلة حاسبة عندما يدخل الدكان أو المتجر الكبير يقارن بين الأسعار ويحسب فرق التوفير بين البدائل.. لكن ما رأيناه جميعاً يفوق كل هذه الأسباب.. هناك تغيّر حقيقي في سلوك بعض الأردنيين، لم يعتادوه ولم يكونوا يوماً عليه.. وهي خدش الأنفة والكبرياء وعزّة النفس التي كنا نتباهى بها أمام الشعوب كلها، وعلى ما يبدو أن من اشتغل عليها طوال السنوات الماضية قد نجح فعلا، فالهزيمة تأتي من النفس، لقد نجحوا - أقولها والدمع في عيني - من تحويل حاجة الناس الى مبتغى، والمكسب أهم من طريقة كسبه، والمادة الى ديناميت القيم التي تفجّرها.. وهذا جداًَ خطير لمن يفهم ما يجري..
مشهد البيض لم يكن الأول ولا الأخير، قبل أسابيع افتتح فرع حلويات مشهور في الزرقاء وتم الإعلان عن يومٍ مجاني، السلوك رأيناه هناك؛ التدافع والتزاحم والإصابات، ولقد رأينا بأم أعيننا أن البعض كان يخطف الكنافة بيديه فلا صبر على تحضير الملاعق والصحون من قبل العاملين، فالظرف لا يحتمل.. في حفلات الزفاف وعزاء «المجبرين» تتكرر المشاهد نفسها ويحضر مبدأ الكسب قليل الثمن أو المجاني وتعطى كرامة النفس إجازة قصيرة لحين الانتهاء من المهمّة.. الغريب أن بعض المتهافتين على البيض أو البنزين او الكنافة أشخاص لهم مكانتهم واحترامهم وكلمتهم بين أسرهم ومحيطهم لكنهم عند الواقعة تغيب المكانة وتبرز المنفعة.. والغريب أكثر لو دعوت هولاء المتزاحمين للمشاركة في وقفة احتجاجية على سعر أي سلعة..أو طلبت منهم المقاطعة، وأن بالمقاطعة تكون مكاسبك أكبر بكثير ونفسك أعلى بكثير لأبوا ولكانوا أول من يخذلك.. قلتها في السابق للأسف أن صناعة الوعي أصبحت من الصناعات الثقيلة..
وغطيني يا كرمة العلي
مهما حاولت الهروب منه إلا أنه ما زال يطاردني حتى اللحظة فلم أجد طريقة للانفكاك منه سوى الكتابة عنه.
لقد تابعت موجوعاً مشهد الازدحام والتدافع الشديدين أمام كوّة في أحد «المولات» يخرج منها بعض «أطباق البيض» وتحملها الأكف بكل زهو وانتصار والسبب أن مركز التسوق الشعبي أعلن بشكل مفاجئ ولفترة محدودة عن تخفيض كرتونة البيض الى 89 قرشاً.. فركض الحضور وتزاحموا وكادوا يتقاتلون للحصول على الغنيمة الاقتصادية التي تراءت أمامهم كحورية في بحر من الغلاء، نعرف جيّداً أن الفقر قد بلغ مبلغاً لم يصله من قبل، وأعرف أن رب الأسرة يتحوّل الى آلة حاسبة عندما يدخل الدكان أو المتجر الكبير يقارن بين الأسعار ويحسب فرق التوفير بين البدائل.. لكن ما رأيناه جميعاً يفوق كل هذه الأسباب.. هناك تغيّر حقيقي في سلوك بعض الأردنيين، لم يعتادوه ولم يكونوا يوماً عليه.. وهي خدش الأنفة والكبرياء وعزّة النفس التي كنا نتباهى بها أمام الشعوب كلها، وعلى ما يبدو أن من اشتغل عليها طوال السنوات الماضية قد نجح فعلا، فالهزيمة تأتي من النفس، لقد نجحوا - أقولها والدمع في عيني - من تحويل حاجة الناس الى مبتغى، والمكسب أهم من طريقة كسبه، والمادة الى ديناميت القيم التي تفجّرها.. وهذا جداًَ خطير لمن يفهم ما يجري..
مشهد البيض لم يكن الأول ولا الأخير، قبل أسابيع افتتح فرع حلويات مشهور في الزرقاء وتم الإعلان عن يومٍ مجاني، السلوك رأيناه هناك؛ التدافع والتزاحم والإصابات، ولقد رأينا بأم أعيننا أن البعض كان يخطف الكنافة بيديه فلا صبر على تحضير الملاعق والصحون من قبل العاملين، فالظرف لا يحتمل.. في حفلات الزفاف وعزاء «المجبرين» تتكرر المشاهد نفسها ويحضر مبدأ الكسب قليل الثمن أو المجاني وتعطى كرامة النفس إجازة قصيرة لحين الانتهاء من المهمّة.. الغريب أن بعض المتهافتين على البيض أو البنزين او الكنافة أشخاص لهم مكانتهم واحترامهم وكلمتهم بين أسرهم ومحيطهم لكنهم عند الواقعة تغيب المكانة وتبرز المنفعة.. والغريب أكثر لو دعوت هولاء المتزاحمين للمشاركة في وقفة احتجاجية على سعر أي سلعة..أو طلبت منهم المقاطعة، وأن بالمقاطعة تكون مكاسبك أكبر بكثير ونفسك أعلى بكثير لأبوا ولكانوا أول من يخذلك.. قلتها في السابق للأسف أن صناعة الوعي أصبحت من الصناعات الثقيلة..
وغطيني يا كرمة العلي
ahmedalzoubi@hotmail.com
الرأي