لقد علمنا القرآن ادب التخاطب والتناصح واضاف الرسول الكريم وتمم لمكارم الاخلاق اداب كثيرة في التواصل الاجتماعي ومنها التراسل والتناصح والتخاطب فانظر لأدب القران وتلطف رب العالمين في عتاب الرسول عليه السلام عندما اذن للمنافقين في التخلف عن الجهاد:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾: (التوبة43) ما أجمل وما ابلغ الخطاب الالهي وما أرقه حينما ابتدأ ب (عفا الله عنك )ولم يجرح ولم يهول ولم يستخدم كلمات تأنيب قاسية ولا فاحشة. وانظر لادب ولطف الرسول الكريم الذي تأدب على القرآن في مخاطبة اصحابه وحتى اعدائه (من محمد رسول الله الى كسرى عظيم فارس ومن محمد بن عبدالله الى هرقل عظيم الروم وهكذا لبقية الملوك والعظماء.. وكذلك كان خطابه للصغير وللجاهل بلطف وتؤده فلا يعنف ولا يجرح.... والقاعدة تقول كلما ازداد المرء علما وحكمة كلما ازداد خطابه أدبا وذوقا وكياسة وكلما ازداد تواضعا وترفعا عن الدنايا والتفحش بالقول والعمل.
ان ما نسمع ونقرأ هذا الزمان من تطاول من العامة على كبار الجاه والمسؤولين ورجال الدولة والحكم ، (من باب النصيحة والتوجيه) هو جهالة وتسفيه وفضيحة وليس نصيحة، لاننا نعلم ان من اوليات الناصح ومباديء النصح ان يكون بالسر وبالانفراد بالمنصوح واما ما يكون على رؤوس الاشهاد فهو تسفيه وترذيل وتحقير وتأنيب غير مجاز لا شرعا ولا ادبا ولا اخلاقا.
ولقد تكرر فعل احد العامة ممن يسعون للشهرة وكسب الشعبويات الرخيصة للتنطح لرجال الدولة والحكم وبالذات الرئيس المهذب دولة الدكتور الرزاز ، بداعي النصح بطريقة يندى لها جبين كل عالم او فقيه او أديب او مواطن عادي يحترم نفسه ويحترم دينه وثقافته ووطنه.
فيضن البعض ممن نصب نفسه ناصحا وموجها وداعية للامة والمسؤولين بأنه جريء وشجاع وصاحب موقف، والواقع انه بريء من ذلك كله، وبل يفتقده ،وان هذا الاسلوب الرخيص والسمج بالتخاطب والتراسل مع اي امريء كان ،لا يلق الاحترام ولا الصدى المطلوب، ويمج ويستقذر، ويترفع العامة حتى عن سماعه وقراءته، فكيف اذا كان لمسؤول كبير بمستوى رئيس حكومة او اعلى .. وقد بلغ المخاطبين( بفتح الطاء )غاية وقمة الادب بعدم الرد على السفاهة من القول وكبروا في نظرنا جميعا، لانهم يترفعون عن هؤلاء العامة الذين يقتنصون الفرص في رمي اوساخهم وزبالتهم امام الكبار للفت النظر ، ولعل ان يردوا عليهم هؤلاء الكبار او يقاضونهم بالمحاكم فيرتفع شأنهم بعض سنتمترات عن الارض ... حاشا للكبير ان يلتفت لسفاسف القول ، والعاب الصغار فالكبير يبقى كبير، والصغير لا يكبره السباب على علية القوم...بل يزيده صغارا....
كنا نتمنى من هؤلاء الذين يدعون الدين والحكمة تارة والوطنية والفكر تارة اخرى والقومية احيانا وهم براء من ذلك كله فلا الدين ولا الحكمة ولا الوطنية تتفق مع هذا الخوار الفكري والادبي وقلة الكياسة ، والافلاس من كل معايير الذوق العام، هؤلاء من يزاودون على الكل، نتمنى ان يأتوننا بخطط او برامج اقتصادية وسياسية بديلة لما يأتي بها المكلفون من الرؤساء او المسؤولون ولا مانع ان تكون على رأس الاشهاد شريطة ان تصاغ بأدب وكياسة واحترام وتخلو من الرعونة والصبيانية ولغة الشارع ، فليأتوا برسالة نصح وتوجيه رجولية ومتزنة تفوح بالبلاغة والادب والحكمة والدين والفكر السياسي الناضج والواعي فنحترمها ونحترم مرسلها وليس رسائل سفاهة وهجاء تقزز السامع والقاريء
واخيرا تحية للكبار رؤساء الدولة والحكومات الذين لم تخرجهم الرسائل الهابطة عن ادبهم وموروثهم العائلي والقيمي والديني.