الهجوم على القيم الأخلاقية من الداخل أيضاً
د. حمزة البلاونه
20-06-2019 02:49 AM
تتعرض المجتمعات المعاصرة لموجة من - الأزمات الأخلاقية - المتتابعة والتي تتمثل في مظاهر مختلفة من الممارسات وأنماط السلوك الفردية والأفعال الجماعية التي تسلب الأفراد والجماعات السعادة والأمن والاستقرار وتُضعف العلاقات في ميادين الحياة المختلفة ولقد أعطت ثورة الاتصالات التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة هذه الأزمات الأخلاقية صفة العالمية ولم يعد بمقدور مجتمع من المجتمعات إغلاق معابره أمامها أو النجاة من آثارها.
والمجتمع الأردني شأنه شأن باق المجتمعات يجد نفسه عرضه لهذه الأزمات الأخلاقية التي تهدد النسيج الاجتماعي واللحمة الاجتماعية فبالرغم من وجود رصيد اجتماعي وقيم أخلاقية يتحلى بها أفراد المجتمع الأردني إلا أننا نلاحظ أن عدوى الانحلال الأخلاقي بدأت تنتشر بين بعض أفراد المجتمع وليس أدل على ذلك من مسلسل (جن) الذي أثار حفيظة الرأي العام في المجتمع الأردني نظراً لاحتوائه على مشاهد غير أخلاقية فهو يخلو من المحتوى الثقافي الهادف لا بل هناك جرأة ووقاحة في نشر المصطلحات البذيئة والسوقية والمشاهد المقززة والتي أثارت ردود فعل شعبية ورسمية ترفض هذا العمل الدنيء.
وهنا أتساءل ما الذي يريدونه ؟ هل يريدون مجتمعاً أردنياً مفككاً أخلاقياً غير ملتزم بتعاليم الدين والممارسات الأخلاقية السوية ؟ هل أصبحت القيم الأخلاقية غصة في حلوقهم ؟ إنهم يسعون لبث أفكار مسمومة لاجتثاثنا من جذورنا وتحويلنا إلى كائنات مشوه.
إن الاجتراء على القيم الأخلاقية والنيل منها لم يعد مقصورا على الخارج بل هناك هجوما آخر يوازيه من الداخل فهل يمكن أن يتصور عاقل أن يقوم أفراد من المجتمع الأردني بتأليف مسلسل يحتوي على مشاهد ورسائل غير أخلاقية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تشجع على ممارسة علاقات غير مشروعة في الوقت الذي يمر فيه المجتمع الأردني بظروف اقتصادية واجتماعية ومعيشية صعبة تهدد قيمه ومعاييره الاجتماعية فالأصل أن يتم العمل على بناء شخصية الإنسان الأردني من جديد على أساس ديني وقيمي أخلاقي والعمل على تأصيل العقيدة والشريعة في نفوس أبناء الجيل القادم على وجه يهئ لهم الانتفاع بما شرعه الله لعباده ويحميهم من التعصب ويبعدهم عن الانحراف والتأثر بالأفكار المسمومة. ومما يثير الاستغراب والاستهجان وجود شريحة اجتماعية تدافع عن أفكارها المسمومة باسم الفن أو الإطلاع على تجارب العالم المتقدم أو باسم اللحاق بركب الحضارة متناسيه خصوصية المجتمع الأردني الذي ما زال والحمد لله بخير بالرغم من كل المنعطفات الصعبة التي يمر بها. وفي هذا السياق يجب أن نحرص في مجتمعنا على تأصيل الثقافة والتربية الأخلاقية بين الشباب من خلال إعادة إنتاج التنشئة الاجتماعية للأفراد من قبل مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة ، المدرسة ، الجامعات ، وسائل الإعلام التقليدي والحديث ، ودور العبادة والمساجد ، وجماعات الرفاق (القدوة الحسنة ).
إن التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا في الحياة المعاصرة والتي كان نتيجتها شيوع الآلية في العلاقات الإنسانية وفقدان الدفء والحرارة في هذه العلاقات نتيجة للتوسع في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وغياب الرقابة الأسرية والوازع الديني كل ذلك ساهم في انتشار الأزمات الأخلاقية التي تعيشها المجتمعات لذا لا بد من إعادة بناء القيم الاجتماعية والأخلاقية وصياغة قواعد أخلاقية مرنة ونشرها بين الجيل القادم لبناء شخصية أردنية مبدعة أخلاقياً تتعامل مع مواقف الحياة بإيجابية أي تتعامل مع الناس بالحب وتتعامل مع المشكلات بالعقل.