في خضم محاولاتنا الحثیثة للنھوض بواقعنا الاقتصادي الصعب، وفي ظل استعصاء معضلاتنا الاقتصادیة واستمرار مؤشراتھا المقلقة من بطالة وفقر وإنتاجیة وتصدیر ومدیونیة وعجز، نجدنا كمجتمع ومسؤولین نستكین لتبریرات تبتعد عن واقع الأزمة الحقیقي، ونتجنب طرح الأسئلة التي تستجیب بالفعل لحل مشاكلنا الاقتصادیة الملحة. من ھذه الاستكانات والتبریرات لومنا المستمر للبیروقراطیة وبطئھا وترھلھا، والفساد وانتشاره، والواسطة والمبالغة الخطیرة عن سوادھا، وغیاب العدل والمساواة، وأخیرا الظروف الخارجیة الضاغطة والخطیرة التي تؤثر بشكل مباشر على مستوى معیشتنا وأدائنا الاقتصادي.
كل ھذه تبریرات منطقیة ومشروعة وموجودة، لكن تضخیمھا والمبالغة بحجمھا أصبح شماعة یستخدمھا المجتمع والتنفیذیون وغیر الناجحین لتبریر تراجع الأداء والإخفاق. ھناك غیاب واضح وخطیر لنقاش علمي وموضوعي ودقیق حول كل ھذه الظواھر، وھناك اضمحلال للمعلومة الرقمیة المسببة التي نستطیع أن نستند لھا للتأسیس لنقاش مجتمعي ناضج یعتمد نھج المقارنة العلمیة الرقمیة لتقییم الأداء والحكم على الأرقام. تجدنا لذلك ندور في حلقة مفرغة من المبالغات والتفسیرات تؤذي نقاشنا العام وتھبط بھ، وتبتعد بنا عن طرح كثیر من الأسئلة الأخرى المھمة التي تصب مباشرة في تطویر قدرتنا على الاستجابة لتحدیاتنا الاقتصادیة.
السؤال المھم الذي یجب أن نطرحھ كمجتمع: لماذا ھذا التضخیم والمبالغة في توصیف واستخدام الظواھر أعلاه، وھل التعامل معھا وإنھاؤھا یعني مباشرة تفكیك معضلتنا الاقتصادیة؟ ثم ھل بالفعل استطاع مجتمع في ھذا العالم السیطرة على مثل التحدیات الموجودة لدینا، أم أن الدول تتباین في قدراتھا على فعل ذلك، والدول التي تواجھ تحدیات تشبھ ما ھو موجود بالأردن نجد أننا متقدمون مقارنة بھا.
من الأسئلة الكبیرة التي لا نطرحھا: لماذا یفضل الصناع والزراع المحلیون والمستثمرون الأجانب العمالة الأجنبیة على تلك المحلیة؟ وما علاقة ذلك بإنتاجیة العامل الأردني بالمقارنة بالوافد. ما ھو ترتیب إنتاجیة العمالة الأردنیة عالمیا، وكیف یؤثر ذلك ویعمق معضلتنا الاقتصادیة. وما ھو ترتیب أداء الإدارة العامة لدینا مقارنة بالدول الشبیھة بنا. وما ھي المیزة النسبیة الحقیقیة للاقتصاد الوطني مقارنة بغیرنا، وھل یمكن الاستمرار بنھج تنمیة ”كل“ الاقتصاد أم نحتاج إلى التركیز على قطاعات بعینھا؟ كیف تؤثر أسعار الطاقة على صناعاتنا وإنتاجیتنا، وھل ھذا أمر نستطیع التلاعب فیھ في ضوء عجز الموازنة وحاجة الخزینة لعوائد ضرائب الطاقة. لماذا یعتاش القطاع الخاص ویبني نموذج أعمالھ على الإعفاءات الضریبیة المشوھة ویعجز عن المنافسة الحقیقیة. ھل نظامنا التعلیمي الذي یواجھ تطوره وتحدیثھ ممانعة سیاسیة ومجتمعیة ما یزال قادرا على تخریج نفس النوع من أولئك الأردنیین الذین بنوا الدول من حولنا؟!!
مھما كانت الشماعات التي نوظفھا كمجتمع، وعلى افتراض أننا أزلناھا جمیعھا وأصبحنا یابان وسوید الشرق الأوسط، فما نزال بحاجة لوقفة صادقة مع الأسئلة المطروحة آنفا، وأن نقترح الحلول لإحداث التحول المنشود والتطور العمیق الذي یحتاج لعزیمة عظیمة وشجاعة كبیرة وھندسة اجتماعیة من النوع الاستثنائي.
الغد