حركة الاخوان المسلمين, ولفترات زمنية سابقة كانت تعتبر من الحركات ذات الحظوة في الخليج العربي وخلال الفترة القصيرة الماضية تغيرت الرؤية الجذرية لهذه الحركة ليتم تقييمها كحركة معادية تشكل تهديد للأمن القومي لتلك الدول .
من الامثلة الاخرى على صناعة التهديد ما حدث في الولايات المتحدة بعد عام 2001 , حيث تم ابراز الارهاب كأهم تحدي للأمن القومي وضمن فترة قصيرة تغيرت الاوليات الاستراتيجية للولايات المتحدة وبرزت استراتيجية مكافحة الارهاب على المستوى القومي ولاحقا بروز الحرب الكونية ضد الارهاب.
ما يحدث حاليا في المجتمعات الاوروبية والتي تضغط على قادتها لاعتبار الهجرة غير الشرعية أهم تهديد مجتمعي وترتب على ذلك صعود يمين متطرف ومعادي لقيم الليبرالية الغربية واحيانا يبرز نفسه بصورة الحارس للقيم المسيحية هو ايضا مثال على صناعة التهديد.
مثال اخير , اعتبار روسيا كتهديد للأمن القومي لبولندا منذ التسعينات علما بان الاتحاد السوفياتي خلال الثمانينات كان بمثابة الدولة الحليفة والصديقة لبولندا وبعد التسعينات تبدلت الرؤية لروسيا لتصبح تهديد للأمن القومي. فكيف تتم هذه التحولات ومن يسيطر عليها؟ ولماذا تفشل هذه العملية في بعض الاحيان؟
Securitization (السكرته) , عبارة عن عملية تعنى بايلاء موضوع معين الاهمية المستحقة وتصويره كتهديدا للأمن المجتمعي.
الانتولوجي الُأم لهذه العملية ترتكز على أن الأمن و التهديد هما عبارة عن مفاهيم نمطية لا تملك حقيقة واحدة وكاملة وإنما عبارة عن حقائق متغيرة ومتأثرة بالهوية يترتب عليها تغيير في المصالح الوطنية وطرق المعالجة وبالتالي فلا يوجد حقائق ثابتة اسمها تهديد دائم أو مستمر.
النموذج الاساسي لصناعة التهديد ( كما كتب عنه باري بوزان و اولي ويفر ) يتكون من 3 مراحل, في البداية يتم إنتقاء الموضوع المراد تحويله إلى تهديد ودراسته وفي المرحلة الثانية يتم تسييسه بإضفاء الطابع السياسي عليه عن طريق تداوله بواسطة النخب المختارة و يتم في المرحلة الثالثة تحويله إلى خطر أمني وشيك على امن المجتمع المحلي ومما يستوجب اعادة تغيير للأولويات الاستراتيجية على مستوى الدولة وتخصيص موارد بشرية ومالية ومعدات كان من الصعب سابقا الحصول عليها وبالإضافة إلى تجاوز في القوانين الموجودة من حيث المراقبة الالكترونية والاعتقال الإداري وقمع للحريات مبرر اجتماعيا.
أعتقد ان موضوع السكرته يتطلب في أغلب الاحيان القيام بعمليات رفع الاعلام المزيفة False Flag Operations لزيادة الاحساس بالخوف و شيطنه القضية باستخدام اللغة والخطاب المتناسق مع اللغة الأمنية المستخدمة لدرجة يتعذر معها إبراز أي نوع من التعاطف .
المستفيدون من السكرته في الاغلب طبقة سياسية أو أمنية وشركات تستثمر في الخطر الجديد ولوبيات توظف قيمة التهديد لمصالحها ,وبالنسبة للتنفيذ فأهم الجهات المنفذة هي رجال الصحافة والاعلام و طبقة الفنانين والادباء ورجال الدين . حيث يلاحظ بان هذه الطبقات هي الاكثر فعالية وبدرجة تتعدى نسبة تمثيلها في المجتمع بفضل احتكارها لصناعة الخطاب , ورأينا كيف ان تجاهل الربيع العربي لهذه الطبقات ادى به الى فشل مدوي .
وبالنسبة لاهم عوامل فشل صناعة التهديد فتعود بصورة رئيسية الى تجاوز المراحل والتركيز على امن الدولة واهمال الامن المجتمعي , فقد نجحت في بولندا لكون الاحساس بالتهديد هو في الاساس مجتمعي مترسخ ضمن الهوية الوطنية للمجتمع ونفس الشيء يمكن ان يقال عن الارهاب.