هل نمتلك فعلا ثقافة الإصلاح ؟ ، أم أنّها غريبة على مسامع مجتمعنا ، وهل تبدأ من الفرد أم من المجتمع ؟ ، وكيف لنا أن نتفادى وَضعَ ثقافة الإصلاح تحت عباءة ثقافة العيب ؟ ، التي تفشّت بين الشباب وأعادت عصر " الكوليرا " القاتلة لنا .
إنَّ ما يمرُّ به مجتمعنا اليوم ، وأقصد هنا مجتمعنا الفتيَّ الشاب ، على جميع الأصعدة ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، كَوَّنَ وسيكوّن جيلا أشبه بالقنابل الموقوتة ، فجيل اليوم يتعرض للضغط من الداخل والخارج ، تارةً من مجتمعه وما يواجهه من أزمات تكاد تعمّ جميع القطاعات ، وتارةً بضغطٍ يشعرُ به تجاه مسؤوليته عن نفسه وعن مجتمعه أيضا ، فما من مهرب له ، وحتما تلك القنابل ستنفجر يوما ما .
يشهد المجتمع اليوم سجالا كبيرا في اتجاه الإصلاحات في أيّ مجال ، لكن - وللأسف - نحن لا نمتلك ثقافةً خاصة بالإصلاح كأساسٍ لأيِّ فعل ايجابي ، فالإصلاح بحدِّ ذاته يحتاج إلى طريقة ممنّهجة ليحدث بصورة صحيحة ، وأشير هنا إلى إصلاح النفس على وجهٍ خاص ، فأساليب التهذيب لصغار السنِّ مثلا ، أصبحت باليةّ رثّة ، يعتاد في بيته على عادات وتقاليد معيّنة ، فيخرج حاملا " تربايته " إلى الشارع لِيُصدمَ بقطار الاختلاف ، فكلٌّ يحمل تربيةً خاصةً فيه ، ومن هنا يتوّلد صراعُ الشباب ، ويدور في أفلاكهم سؤالٌ وجيه ، " هل نتغيّر أم نُغيّر ؟ " ، لكنّ الجواب يزيد السؤال تعقيدا ، فإن قرر الشاب مُجاراة تربية الآخرين " إيجابية كانت أم سلبية " سيضطر لأن يعيش بوجهين ، وجه عائلته في منزله ، ووجه مجتمعه خارجه ، وإن قرر أنّ يُلزمَ مجتمعه بما اعتاد عليه ، عاش وحيدا أو شبه وحيد .
دعوني أُنوّه هنا إلى الفرق بين الصلاح والإصلاح ، فالصلاح يقبع في نفس الشباب بشكل عام ، لكنّه يواجه مشكلتين ، الأولى : أن طُرق التعبير عنه تختلف من شاب الى شاب ، فكل فردٍ في مجتمعنا يرى الصلاح بعينٍ لا مثيل لها ، والثانية : هي أنّ الصلاح دفينٌ في مُعظم الشباب ، يحتاج إلى "إعادة استكشاف" ، ومن هنا يكون الفرق بين الصلاح والإصلاح مُكمّلاً لا مُفرّقاً ، فيأتي الإصلاح ليعطي نظرة شمولية عن الصلاح تملأ جميع العيون ، من خلال اجتثاث الصلاح الدفين في نفوس شبابنا .
كتبتُ في بداية ما كُتِب ، أنَّ الشباب قنابل موقوتة ، لكنّي لم أحدد في أيِّ اتجاه ستنفجر ، في الخير أم الشر ، لذا يلزمُ زرع ثقافةِ إصلاح فينا ، وتقطيع رداء " العيب " الذي أصبح لِباسا لأيِّ جديد وغريب حتى لو كانت مصلحة المجتمع ، تصبُّ فيه .