لماذا لا يمتلك الوزراء لدينا الجرأة، ليخرجوا ويتحدثوا حول ما يجري في جلسات مجلس الوزراء، خلال الحكومات المتتالية، وكيفية اتخاذ القرار، خلال هذه الجلسات، والطريقة التي يدار فيها النقاش، بين الرئيس والوزراء؟
هناك ظاهرة لافتة في الأردن، إذ إن أغلب الوزراء الذين يخرجون من أي حكومة يصرحون لاحقا، أن الأردن امام مراحل ليست سهلة، ويقدمون وصفات للحلول، وهذا حقهم نهاية المطاف، لكن اغلب التعليقات تكون ضدهم، فيسألهم الناس أين كنتم طوال هذه السنين، ولماذا لم تغيروا من الوضع وأنتم في موقع المسؤولية، وماذا فعلتم طوال سنين، أو طوال عقود؟!
النقد الشعبي لا يرد عليه الوزراء السابقون، ولا يريدون الدخول في تفاصيل كثيرة تبقى سرا، أبرزها أن آليات اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بائسة، وقد حضرت جلسات كثيرة في ظروف مختلفة، وكان مثيرا أن مجلس الوزراء من داخله، غير الذي كنا نظنه ونحن خارجه، وبمعنى أدق، قد يبدو مجلس الوزراء مركزا للقرار والتخطيط، لكنه في كل الأحوال ليس كذلك بالمعنى الحرفي.
الكلام الأكثر حساسية هنا، يرتبط أولا، بوجود جزر معزولة في كل حكومة، فالحكومات في الأردن، فيها طبقية سياسية، فهذا وزير من الطبقة الأولى، يأتي قليلا إلى مجلس الوزراء، بسبب انشغالاته، أو يأتي ويبقى صامتا، ولا يعلق، أو يتحدث بالحد الأدنى، ويوقع على قرارات مجلس الوزراء فقط، ويغادر إلى وزارته، وذاك وزير معزول طوال وقته في وزارته، ولا يأتي إلى رئاسة الوزراء إلا اذا طلبه الرئيس، أو بسبب جلسة مجلس الوزراء، ويبقى ساكتا طوال الجلسة ولا يتحدث إلا في جانب محدود، يخص ملفا محدودا، وثالث نوع يتصفون بالجدل وإثارة النقاش والانفعالية، ويتجنبهم الرئيس الموجود، حتى اول تعديل، ويتم اخراجهم، فيما النوع الرابع لا يذكره الرئيس ولا الوزراء، ولا الناس أيضا، في بلد، لم يعد يحفظ فيه شعبه، أسماء مسؤوليه.
لا يوجد كما يتوقع الناس، خلية تخطيط في رئاسة الوزراء، في الأردن، بحيث يجتمع وزراء الاقتصاد، للتخطيط لمصلحة البلد، أو يجتمع وزراء التعليم مع الرئيس وعدد من المختصين، لتعديل الاستراتيجيات، وحل المشاكل، أو حتى أي مجموعة أخرى، وهكذا لا يمكن وصف مجلس الوزراء بكونه مجلسا يعبر عما تعنيه كلمة حكومة، بقدر كونه مجلسا لإدارة شؤون البلد في الحد الأدنى.
هذا يفسر ان اغلب الوزراء السابقين تنفجر أفكارهم ومقترحاتهم خارج الحكومة، لانهم داخل الحكومة، أساسا، لا يجدون مساحة لفتح هكذا ملفات، أو ان طبيعة عمل واجتماعات مجلس الوزراء لا تسمح بمثل هذه المشاركات، وقد تحولت اعمال المجلس إلى اعمال روتينية لا يتم معها فتح ملفات استراتيجية، ولا ينتج عنها حكومة مصغرة لكل ملف من الملفات، هذا فوق ان وقت الرئيس ذاته، لا يكفي أحدا ممن حوله، وبحيث تغرق الحكومة في الاعمال اليومية فقط.
يفرض كل هذا تغيير آليات عمل مجلس الوزراء، فهي آليات فاشلة وغير منتجة وضعيفة، وكل مهمتها تسيير الاعمال، وفي حالات لا يجد الحاضرون وقتا، من اجل الاستماع إلى شرح مفصل من وزير مختص حول مشاكل وزارته، للوصول إلى قرارات جذرية، وهذا يعني ان الحكومة لا بد ان تجد جلسة من نوع مختلف، تكون مخصصة كل مرة، لوزير حول شؤون وزارته، لتقديم شرح كاف، وعرض المشاكل والحلول، وثم نقل خلاصات هذه الجلسة إلى جلسة مجلس الوزراء العامة، إضافة إلى وجود مجلس وزراء مصغر وخلية أزمات في مجلس الوزراء، لبحث الملفات المستجدة والمتوقعة.
بدون هذا سيبقى الوزراء بلا فائدة داخل الحكومة ذاتها، ولكل وزير شلته وجماعته، أو بعيدا في جزيرته المعزولة، متجنبا الرئيس، والحكومة، والاعلام، باعتبار ان الابتعاد والتواري، خير وسيلة لإطفاء الأضواء وكلفتها حول الوزير، ووجوده داخل أي حكومة موجودة، أو مقبلة على الطريق.
كل هذا يفسر فك عقدة الوزراء بعد خروجهم من مواقعهم، لانهم لا يمتلكون الجرأة للاعتراف والحديث حول الخلل الخطير في آليات الحكومات وعملها، ونقاط الضعف في بنيتها الداخلية، والتي تحول الحكومات إلى مجرد جسم اداري يدير شؤون الموظفين والحياة اليومية، بدلا من كونها مراكز قرار كما يفترض الناس.
الغد