للدلالة فقط على أن شتان بين أن تكون رجل دولة, الدولة ومصلحتها العليا هي همك , وبين أن تكون رجل نفسك وحسب, حيث مصلحتك الخاصة هي همك لا أكثر , أستذكر عل الذكرى تنفع المؤمنين الواقعة التالية .
نهاية العقد قبل الأخير من الألفية الفائتة , كان طيب الذكر الدكتور هاني الخصاونة وزيرا للإعلام , كنت آنذاك محررا بوكالة الأنباء الأردنية وأكتب تباعا مقالا في زاوية منبر الرأي بصحيفة الرأي وبالمجان .
لم أكن أعرف الدكتور الخصاونة شخصيا ولم ألتقه عن قرب , وذات يوم أبلغني مدير الوكالة أن الوزير يريدني للقائه غدا في الثامنة صباحا , سألته لماذا قال لا أعرف, ولاحظت أنه هو نفسه يستغرب الأمر حيث يريد وزيره لقاء أحد موظفيه دون أن يعرف هو لماذا ! .
ذهبت إلى الموعد وإستقبلني الوزير بإحترام يجسد حقيقة شخصه المحترم , ليبلغني أنه معجب بمقالاتي ذات الطابع الوطني وأنه يتابعها بإستمرار , وعرض علي العمل في مكتبه بالوزارة , شكرته وقلت صادقا بإذن الله , معاليك أنا أكتب منذ سنوات وهذه أول مرة أسمع فيها كلمة ثناء من مسؤول ! .
خجلت أن أعتذر له مباشرة عن العمل في مكتب معاليه مديرا لظرف خاص , وطلبت من مدير الوكالة أن يبلغه إعتذاري ببسبب ذلك الظرف .
توالت الأيام ونشأت علاقة ودية لي مع معاليه, لأكتشف أكثر فأكثر أنني أتعامل مع قامة وطنية عالية المقام في إخلاصها للوطن وللعرش الهاشمي ولا تتردد في قول الكلمة الحق , لا بل فالوطن عنده قبل نفسه , ولهذا حاربه المنتفعون الدائمون الذين لا يرون في خارطة الوطن كله سوى أنفسهم هم ومصالحهم الخاصة, لا أكثر ولا أقل .
شيمة أولئك المنتفعين المتكسبين هي النفاق سبيلا للوصول, ومنهم كثيرون وصلوا وحققوا مبتغاهم , ويظن الكثيرون أنهم رجال دولة وما هم برجالها بل رجال أنفسهم وحسب , فيما حافظ الدكتور هاني الخصاونة وقلة مثله على إتزانهم ولم يتنكروا للوطن أبدا, سواء أكانوا على صهوة المنصب أم مترجلين عنها , وإستحقوا وصف رجل دولة بحق ولم يطلبوا لأنفسهم يوما شيئا أبدا .
عندما يقدر المسؤول كفاءة العاملين معه دون أن يعرفهم ودون أن يكونوا من أقربائه أو أنسبائه أو محاسيبه , فأعلم أنه رجل دولة حق همه وطنه لا مصالحه ومكاسبه , وعندما يحدث العكس فأعلم أن الوطن بحاجة إلى رجال دولة من أمثال الدكتور هاني الخصاونه , وبالذات في زمن مثل زماننا هذا ! .
نسيت أن أقول أن معاليه قد نسب لي بوسام ملكي دون علمي تشرفت بتسلمه منه مع زملاء آخرين تقديرا لأدائي الإعلامي في قمة الوفاق والإتفاق التي عقدت في عمان .
ولن أنسى أن أقول أنني عملت لثمانية عشر عاما مستشارا إعلاميا وسياسيا في رئاسة الوزراء وفي مجلسي الأعيان والنواب وبمنتهى التفاني والإخلاص الذي لا يملك أحد إنكاره , ولقلما حظيت بكلمة " يعطيك العافية " إلا من سبعة هم مع حفظ الألقاب , طاهر المصري, فيصل الفايز, سمير الرفاعي,نادر الذهبي , عبدالهادي المجالي, سعد السرور , مروان الحمود , وعبدالكريم الدغمي . الله من وراء القصد .