أزمة الخليج .. ونظرية الفزاعة
د. ايهاب عمرو
18-06-2019 06:23 PM
تابعت بشغف مع قليل من الحماسة تطورات أزمة الخليج وبدت لي أحياناً أِشبه بمسرحية هزلية يتم تحية بطل العمل الرئيسي من قبل المتفرجين في نهاية العمل المسرحي مع كثير من الحماسة. ولعلني، رغم كوني غير متخصص في علم السياسة وغير منخرط في عالمها، ممن يستبعدون نشوب حرب، على الأقل في الوقت الراهن والمستقبل القريب، نتيجة توازنات إقليمية ودولية تحكم المنطقة من جهة، ونتيجة تعقيدات كبيرة قد تنشا في حالة نشوب حرب في منطقة الخليج قد تربك حسابات القوى المؤثرة في الإقليم و العالم من جهة أخرى. ناهيك عن إنشغال الإدارة الأميركية الشعبوية الحالية بالاستعدادات للإنتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال العام المقبل. إضافة إلى تأثيرات تلك الحرب على أسواق المال والملاحة البحرية والاقتصاد العالمي المنهك ما يمكن معه القول بعدم وجود أية إمكانية عملية لنشوب هكذا حرب.
ويقيناً أستطيع القول أن تلك المسرحية الهزلية يصلح أن يطلق عليها عنوان: "الفزاعة"، فمن جانب: تهدف الإدارة الأميركية الحالية إلى إخافة العرب من إيران، تحديداً في الخليج العربي، من أجل الحصول على أموالهم نظير حمايتهم، خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقبل على إنتخابات لفترة رئاسية ثانية ويريد أن يقدم مزيداً من الإنجازات تقنع الجمهور الأميركي المحب للمال بإعادة إنتخابه. ومن جانب آخر، تهدف تلك المسرحية الهزلية إلى إرسال رسالة شديدة اللهجة إلى إيران القوية أنها ليست بعيدة عن المواجهة والحرب من أجل ردعها عن التفكير في تطوير برنامجها النووي، رغم أنها أبعد ما تكون عن ذلك حالياً، ومن أجل ضبط إيقاع خطواتها بما يتلاءم مع السياسة الأميركية في المنطقة ما يضمن عدم تغريدها خارج السرب وضمان سيرها فوق خط محدد سلفاً يتواءم مع السياسية الأميركية الجديدة في المنطقة التي تهدف، من بين أشياء أخرى، إلى السيطرة على مال الخليج العربي ونفطه والذي يعد شريان حياة الاقتصاد الأميركي وشريان حياة المواطن الأميركي كذلك، وتمرير صفقة القرن مع ما تنطوي عليه من خطر حقيقي على القضية الفلسطينية، وإمكانية إعادة تقسيم المنطقة من ناحية جيوسياسية خلال العقد القادم بناء على أسس طائفية وعرقية ومناطقية وقبائلية.
ولعل المراقب لتلك التطورات يدرك أنها تسير بإيقاع منضبط إلى حد ما من كافة الأطراف، رغم أن إستهداف ناقلات النفط في خليج عمان مؤخراً وقصف مطار أبها أوحى بإمكانية تطور الأحداث بعيداً عن قدرة الأطراف على السيطرة. وأعتقد جازماً أن تلك الأحداث لا تعد محركاً وسبباً لنشوب حرب إقليمية قد تأكل الأخضر واليابس، وهذا ما تدركه جميع الأطراف الفاعلة في الإقليم والعالم.
فإستهداف إيران قد يستتبعه قيام إيران بتسخين المنطقة، من خلال حلفائها، وإستهداف (أصدقاء) الولايات المتحدة في المنطقة. لذلك، تقوم إيران بإرسال رسائل بأدوات مختلفة عبر حلفائها في المنطقة ما يفهم منه أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وأنه بإمكانها قلب الطاولة على رؤوس الجالسين حولها، متى تم استهدافها فعلياً، رغم انني أستبعد تلك الإحتمالية، خصوصاً ونحن على أعتاب إنتخابات رئاسية أميركية جديدة خلال العام المقبل.
ولعل حالة الكراهية والشحن الاعلامي والنفسي والعسكري بين الأطراف الفاعلة في المنطقة التي سبقت تلك الحادثة وبدأت قبل ما يقرب من شهرعندما تعرضت أربع ناقلات نفط لأعمال تخريبية في المياه الإماراتية شكلت دافعاً لكل طامع بصب الزيت على النار وتشكيل حالة تجييش غير مسبوقة.
وكم تمنيت لو قامت الأطراف الفاعلة في المنطقة بحل أزماتها بمعزل عن أي تدخل أجنبي، كون أن دوافع أية قوة دولية مهيمنة في الباطن تختلف عن ما هو معلن في الظاهر، وفي الحالة الراهنة، فإن الهدف هو مال الخليج الغزير، وضمان أمن جهات محددة في المنطقة دون غيرها، وتوتير الأجواء في المنطقة من أجل ضمان الهيمنة على مقدراتها لأطول فترة ممكنة إستناداً إلى نظرية "الفزاعة"، وإعادة ترتيب "تقسيم" المنطقة من ناحية جيوسياسية لأغراض إستراتيجية محددة. لذلك، فإن المستقبل القريب والبعيد سوف يحمل في طياته مزيداً من التطورات التي قد يمتد تأثيرها ليشمل دول الإقليم كافة ولن يقف عند حدود منطقة الخليج العربي.
وأعتقد أن العقد المقبل قد يشهد تغييرات جيوسياسية وجيوإستراتيجية هائلة في الإقليم، خصوصاً في حالة تم إعادة إنتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفترة رئاسية ثانية، ستكون فيه المنطقة العربية الخاسر الأكبر كون ذلك سوف يؤدي إلى إشغالها عن قضيتها المركزية، وهدر طاقاتها، وإستنفاذ مواردها، وإمكانية تقسيمها بناء على أسس طائفية وعرقية وقبائلية، كما أسلفنا، ناهيك عن إمكانية وقوعها بين فكي كماشة قوى إقليمية فاعلة أخرى دون قدرتها على الفكاك.
في ضوء ما سبق، يقع لزاماً على صناع القرار في المنطقة العربية وفي الاقليم الالتفات لتلك المخططات وعدم الاستمرار في المراهنة على الحليف الأقوى الذي يهدف إلى حماية مصالحه أولاً وأخيراً، وإلا فإن المثل العربي القائل: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" سوف ينطبق على تلك الأطراف الإقليمية مناط الأزمة الراهنة، ولن يجدي نفعاً الندم بعد ذلك، فولات ساعة مندم.