لافتةٌ هذه الاندفاعات المحمومة، لكتابة سيرة الجسد الأنثوي. ولافتٌ أكثر، ان تتقصد هذه الأعمال عين الرقيب، عن قصد. محيلة عيني القارئ والرقيب، معاً، إلى ثقوب أبواب تتلصص على أجسادٍ عارية تلهو.لم يعد عري الجسد كافياً ليفصح عن أنوثته. حكمةٌ أدركتها الشعوب منذ آلاف السنين. فاستداروا بالتماثيل والمجسمات حول الأنثى، لاستيعاب تجليات الجسد.
هي الأنثى. كلما حاصرتها المعرفة بالمكر، أو الحجب، اتسعت معانيها. وحين يمعن الخباء في سطوته، يفرُّ جسدها إلى عوالم سحرية وأسطورية. ويغترب الجسد عن شكله. ويحلّق في ملعب خيالٍ مفتوحٍ على مفارقات ومفاجآت.
القدماء، انحازوا إلى حيرة اليقين الكوني المدهشة. إلى جسد الأنثى كصورة وظل لأنوثة الآلهة. وتجلّت الأنثى الإلهة بصورة استثنائية: خصباً، ومطراً، وجمالاً، وخلقاً.
إلهةٌ على هيئة جسد مُلهم ومُحلِّق: خفيٌ، متسامٍ، كثيفٌ، متسقٌ، شفيفٌ، وغامض أيضاً.
ضبابٌ يعيق التحليق والتحديق. ضبابٌ لا يأتي من الخباء وحده، بل من العري أيضاً. فلا جسد يشبه جسداً آخر. وطريق الجسد إلى حريته هي حريته في اتخاذ هيئته وصورته. وبحريته تلك، يتحقق الانعتاق منه، بصفته قيداً.
في عري الجسد فراغٌ موحش. وعتمةٌ فاضحة، تمتص فيض نورٍ لفانوس أوقد لتوّه. وفي الخباء المخبوء كتمٌ لأنفاس صبح يتنفس. وحده التحام الجسد بالطبيعة يبتكر تجلياته، ويباشر وجوده. فعلى مرأى من لحظة حريته، لا حزن، ولا ضجر، ولا عذابات لكائنات وحيدة.
العرب البائدة أحالوا الجبال، بما هي أوطان، إلى أجساد أنثوية فصارت جبال: سلمى، وأجأ، وليلى، وليئة، وعبلى، وعزة، أسماء العشيقات، بما هي نساء وأوطان وأمان معاً. وفي القرآن، تتشمم صورة الأنثى لإلاهاتهم: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.. ألكم الذكر وله الأنثى .
الفتنة...
معذِّبةٌ هي رحلة الجسد الأنثوي في المعرفة البشرية. كأنها سيرٌ على الأعراف بين نقيضين. فتنةٌ تُمعن في البحث عن الجمال في جسدها. وفتنةٌ.. أخرى، هي الفتنة ذاتها، حين تُحاذر في المضي إلى أقصاها.
كأنها معارف غبار، تنجلي عن رخام، ثم تتراكم عليه ثانية. أو ذهاب مزمنٌ نحو حافات النقاء، للوصول الى هشاشات.. ليس أقلها هشاشة الأنثى وجسدها.
لم يأبه المتصوفون بما علق بصلواتهم من شبق الجسد. ولم يتحوط من قال: هناك معبد واحد في هذا الكون، أنه الجسد البشري.
لا تحتاج الهشاشة إلى صلابة مضافة لاكتساب قيمتها: قوة أم جمالاً. فما ان تمعن الهشاشة في هشاشتها، حتى تكتسب أقصى ما في الوجود من صلابة: القداسة. حين تجتاز برفق، أو بحزن، أو بعنف،برزخ التقليد البشري. فتصعد بخفة إلى الأعلى.
FAFIEH@YAHOO.COM