هناك أوجه متعددة ومتقاطعة بين الطعام والحياة، بعضها يأخذ طابعا منحصرا بالغزائر الحياتية كالجنس والغواية، وجوه لا تخلو بالطبع من الطرافة تكررت عبر ثقافات عديدة.
في الثقافة الشعبية العربية هناك حكايات عن خوارق جسدية لأبطال شعبيين مقترنة بالطعام الذي يلتهمه هؤلاء الأبطال، وحيث يعجز الآخرون عن التهامه، حيث كمه المهول وأحيانا نوع الطعام الملتهم، ظل هؤلاء الابطال يتميزون بتلك التصورات الشعبية.
من الموروث العربي البعيد، حكايا كثيرة عن عنترة العبسي، صورته بانه قادر على التهام شاة وشاتين وأكثر، ويضاف اليها كميات من الشراب والفواكه والأطعمة الأخرى، ما تعجز عن التهامه ناقة أو وحش او بغل.
في الموروث العربي ليس عنترة وحيدا، فالخيال الشعبي خلق شخصيات عديدة، وصلت الى حد مهول في الصفات الاستثنائية بالتهام لا محدود للطعام ، يتحول أيضا الى طاقة فائضة في الحروب والمعارك وطاقة فائضة بالجنس «الفحولة «.
لربما أن العلاقة سببية، لو عدنا الى مجموع حكايا التراث عن الابطال الشعبيين، فالطعام هو السبب، فالجنس يولد من الطعام والقوة الأسطورية الفائقة لكل ما هو طبيعي ومعقول تولد ايضا من الطعام، وبيولوجيا لا داعي من قلب معادلة المسببات بين الطعام والجنس والقوة، فكل قرين يفضي الى قرينه.
وثمة ما هو أكثر ارتباطا بالعلاقة بين الطعام والجنس والغواية، فيبدو كما هو في الموروث الشعبي، ان المرأة استعلمت قرينة الطعام لمن تهواه لإثارة عواطفه ومشاعره، مباهج غرائزية تقترن بمباهج الطعام دون شك، تقضي على الخمول والكسل، وتدب في العروق روح الحياة.
وليس المثل المتداول شعبيا «أن ايسر طريق لقلب الرجل هو معدته «، هو مثل دون مراوغة يوجز علاقة سببية ،ولو ابتعدنا عن استعمال المفردة الأخيرة واستبدلنها بالحب مثالا، فلا سبيل الا باعتبارها أحد أساليب الاستمالة التي بقيت قائمة رغم ما وقع على الإنسان من تطور علمي وتكنولوجي رهيب.
ألم تمتلئ حكايات «الف ليلة وليلة « بمشاهد الطعام التي تجمع بين الحبيبين وموائد الطعام التي تملتئ بما هب دوب من خيرات الطبيعة، والتي كما تقول الف ليلية وليلة أعدتها عاشقات وحبيبات ومشتاقات وطامعات في وصال الرجال الذين أصبحوا مناط الرغبة لأسباب عديدة.
يمكن القول أن الربط السببي من هذا المنظور، هو نوع النزوع الذي يدفع بالموت في الحياة، وهو أمر ممكن في تداعي ذلك التضاد، أليس بالزواج نواجه الموت ونكثف « الحياة «و نحمي استمراريتها للانسان ؟
بالطبع، ما تولد في المروروث العربي والانساني من حكايا عن الطعام والغواية، ليس مجموعه مشحون بالمعنى السلبي الانساني تجاه المرأة والمنظور اليها من زاوية شهوانية وغرائزية تستهين بقيمتها.
فكثيرة هي الحكايا التي حملت بها المرأة دور البطل والمخلص والمنقذ، ألم تحمي شهرزاد في ألف ليلة وليلة نساء المدينة من الاندفاع الحيواني الانتقامي للملك شهريار.
فهي نجحت عبر ترويضه بالحكايا اللامتناهية بنزع ومحو الروح الحيوانية والشيطانية الانتقامية في شخصيته واستبدالها بما هو انساني، بالمراوغة والحكاية ليلة بعد ليلة نجحت بتحويله من فحل حيواني الى انسان عاقل يستبدل بنهم الغرائز الصرف بنهم المعرفة والعلم والتعلم يمزق الجسدي، ويمحو آثاره بما هو روحي وذهني.
..فشهرزاد قهرت الموت بالحب
الدستور