الملاكمة رياضة تحدّ من العنف المجتمعي
أنس زكريا
16-06-2019 09:12 AM
طرحت المخرجة الأردنية وداد شافاقوج في فيلمها الوثائقي (17)، الذي عُرض في مهرجانات دولية وعالمية مهمة، موضوعاً يحاكي ما أعمل على تطبيقه من خلال الرياضة، إذ طرحت الرياضة كوسيلة توحّد وتجمع الطبقات الاجتماعية، مما يحدّ من المشكلات الناتجة عن تلك الفروقات من عنف وجريمة وغيرها.
قصة الفيلم تحكي عن فريق الناشئة الأردني لكرة القدم، الذي يضم فتيات تفرق بينها الطبقات الاجتماعية ويوحدهن قميص المنتخب، فواحدة تعيش في منطقة فقيرة، وفتاة من طبقة لأهلها المقدرة على إلحاقها بمدارس خاصة، فلا تتحدث إلا الإنجليزية، وأخرى تلجأ إلى عشيرتها عندما قرر مدير الفريق البريطاني أن يستبعدها من التشكيلة النهائية، ويظلّ مصدوما محاولاً أن يعرف كيف تكون العشيرة أقوى من قوانين اللعبة.
أثناء التدريب وقبل اختيار الفريق الذي سيذهب إلى بريطانيا لاستكمال تدريباته، تتجلى رسالة الفيلم في تسليط الضوء على الفروقات الطبقية بين الفريق الواحد، ووقوف المدرب الإنجليزي في وجه التمييز الطبقي، عندما كتبت لجنة الأطباء زوراً تقريراً يفيد بأن الفتاة الفقيرة مريضة، ولا تصلح للّعب، ليتيحوا بذلك مكانا للفتاة المدللة الآتية من عائلة غنية.
كما يعرض الفيلم دور أب كل فتاة في جانب آخر، فمنهم من كان إلى جانب ابنته، يشجعها، ومنهنّ من اختفى والدها المشغول بتوفير لقمة العيش، ولم يظهر إلا حين طلبت إحداهن نقوداً من والدها كي تركب الباص، فقال لها: "معيش"، فاضطرت أن تذهب مشياً على الأقدام، تلك الفتاة هي النموذج للتحدي المفروض عليها، فهي تعتبر هذه الرياضة باب رزق، وليس ترفاً.
تؤكد قصة الفيلم أنّ التنشئة الرياضية تتأثر بدخل العائلة والطبقة الاجتماعية، ويتخذ هذا التأثير اتجاهين:
• الأول ، نجد أنّ شباب الطبقات الفقيرة يتمتعون بقدرات بدنية عالية لمجاراة متطلبات الحياة مما يحتم عليهم استخدام هذه القدرات بشكل يومى الى جانب العدد الكبير فى البيت الواحد. وهذا يفرز أطفالا وشباب يمارسون العنف في الشارع فيما بينهم، وضد أبناء الطبقات الأخرى، وإدخال الرياضة في حياتهم لا سيما الملاكمة، يهذب من هذا السلوك العدواني العشوائي، ويقضي على الحقد الطبقي، المؤدي للجريمة والسرقة وانتشار الفوضى.
• أما الاتجاه الثاني فيتجلّى في شباب الطبقات المترفة، فهم أقل كفاءة بدنياً، لأنهم يمارسون رياضات تتطلب صالات ومنشآت رياضية، مثل السباحة والجمناستك والتنس وا لاسكواش والدراجات وسباق السيارات وغيرها. فتغيب من شخصياتهم القوة الجسدية والنفسية اللازمتين للاحتكاك بالشارع، فلا قدرة لديهم حتى للدفاع عن أنفسهم، وهنا تكمن أهمية الملاكمة لهذه الفئة، إذ تصقل شخصياتهم وتكسبهم الثقة بأنفسهم، وتكسبهم القوة الجسدية وتعلمهم استخدامها في الوقت المناسب.
يتأكد مما سبق، أنّ الرياضة مرتبطة ارتباطأ وثيقأ بحياة المجتمعات وانسجام طبقاتها المختلفة، ولا بدّ من جعلها أمرا أساسيا في حياة الأطفال والمراهقين والشباب من خلال الأسرة والمجتمع والحكومة.
فعن طريق التنشئة الرياضية، من خلال الجهات والوزارات التي تدير المدارس وتضع المناهج الدراسية وتحدد مسيرة الخط التعليمي والتربوي ، يمكن للدولة أن تنشىء رياضيين في نطاق الدفاع العسكري لكي تحمي الوطن، كما يمكنها أن تخفف من عبء وتكاليف العلاج الصحي الحكومي على المدى البعيد عندما يكون ناشئيها أصحاء ورياضيين .
ولعلّ أهم ما يمكن تحقيقه هو الحدّ من ظاهرة العنف في الشوارع والمدارس وحتى في البيوت، فكل المشكلات المجتمعية مرتبطة بالرياضة ارتباطاً وثيقاً، وتوجهات الحكومة وما تحاول أن تفعله نحو شبابها وناشئيها ينعكس على حلّها والتخلص منها.
*(مدرب ملاكمة وباحث في العلاجات السلوكية بالرياضة)