لا نريد بث السلبية، لكن نريد الكلام بصراحة، عما ينتظر هذا البلد، اقتصاديا، خلال العام الجاري، والعامين المقبلين.
اذا كنا في الأردن، لم نعد نتلقى أي مساعدات عربية، وخصوصا، تلك النقدية، ولم تعد تأتينا سوى المساعدات الأميركية، وهي مشروطة ومحددة من حيث الاستفادة منها، والمساعدات الغربية والآسيوية، مشروطة أيضا، وهي إما قروض، وإما محددة لغايات معينة، على شكل مشاريع، وفي الوقت ذاته، لا توجد آفاق على صعيد ملف الاستثمار، لأن لا احد لديه الاستعداد لاستثمار دولار واحد، في بلد كلفة الإنتاج فيه مرتفعة جدا، وبيئته الاستثمارية غير آمنة، هذا فوق ان موارد البلد الداخلية، إما لا يتم استثمارها، وإما تم رهنها عبر الخصخصة، او الشراكة مع شركات اجنبية، فماذا ينتظرنا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، بما فيها العام الجاري؟!.
هذا السؤال لا يجيب عليه احد، بل إن الكل يدفن رأسه في الرمل، ويقوم المسؤولون فقط بجدولة الاحلام، في ظل ازدياد العجز، ومواصلة الاقتراض، وتراجعات القطاع الخاص، الذي تم دفنه حيا، إضافة الى تفشي البطالة، والفقر، والجرائم، وانتشار المخدرات، والعنف، وتحول البلد أيضا، الى مصب سكاني، لكل الهاربين بدمهم و عرضهم، ونحن نرى كيف أن الحكومات لم تجد سوى المواطن لتأخذ كل ما لديه ، وتمطره بالضرائب، ضريبة تلو ضريبة، ولو واصلت ذات سياساتها، فلن تجد مالا بعد قليل؟.
هذا الوضع خطير جدا، ودعونا نتأمل فقط الارتدادات الاجتماعية، من تفشي الجرائم الخطيرة، التي لم نعهدها قبل، هذا فوق وجود مئات آلاف المطلوبين على خلفية قضايا مالية، واغلب الذين في السجون، يتم توقيفهم على خلفيات مالية، ولا احد بطبيعة الحال، يريد السجن، لولا تعثره المالي.
ما هي الحلول لدى الدولة، لمواجهة هذا الظرف، غير كثرة تلميح البعض ان الحل قد يكون سياسيا عبر التورط بحلول سياسية اقليمية تعلن الدولة رفضها لها، بل إن المفارقة هنا أن الكل يريد أن يقنعك ان التراجعات الاقتصادية التي نحن فيها، سببها مواقفنا السياسية، وكأننا كنا دولة ثورية تقف في وجه العالم فعلا، او كأننا كنا نقبل بالحلول السياسية والادوار الوظيفية، قبل سنوات، حين كانت اوضاعنا احسن، لكن مواقفنا تغيرت الآن، وهذا ربط جائر، وغير مقنع، يريد البعض عبره إيهامنا أن أوضاعنا صعبة، بسبب مواقفنا، وفي حالات يتم رمي حمل هذا الملف، على الازمة السورية، ووجود الاشقاء السوريين، هنا، او غير ذلك من ملفات.
كل هذا هروب من أساس المشكلة، أي سوء إدارة موارد الدولة، والتورط في الديون، والفساد، ولربما يقال بصراحة، إننا لم نحتط مسبقا، ولم نأخذ أي إجراء لمواجهة ظرف مثل الذي نحن فيه، بل إن الكارثة الأكبر، أن لا أحد يقنع مئات آلاف المودعين في المصارف الأردنية، لتسييل أموالهم، ولهم في المصارف عشرات المليارات، وهذا دليل على أن الانجماد والعجز والشلل النفسي أصاب الجميع، ولم تعد لدينا اي خيارات، بما فيها الخيارات الداخلية، لتحريك الاقتصاد او فك عقده التي تتزايد، يوما بعد يوم.
القصة ليست قصة تحريض على أحد، فقد تعبنا من سوء التأويلات، لكننا نطرح السؤال بكل وضوح، عن بدائل الدولة، وحلولها، امام هذا الوضع، ولماذا يتم التفرج على كل شيء، وهو يتراجع بهذه الطريقة، واذا استمر الخط البياني، بهذا الوضع، فسوف نجد أزمات مركبة، اقتصاديا، واجتماعيا، لان لا حلول في الأفق، ولأن المشاكل تتفاقم، فالديون وفوائدها تتضاعف، والبطالة تزيد، والقطاع الخاص، يذبل تدريجيا، ولا احد يعطيك المال، من الخارج، فماذا سنفعل امام هذا الوضع، غير البحث عن تفسيرات، وشراء الوقت، واتهام اشباح مجهولة، بكونها السبب في كل هذا ؟!.
فرق كبير بين الفقر، والفقر المزمن، والديون، والديون المزمنة، وما يمكن قوله اليوم، ان الكل اعتاد على ان ازماتنا باتت مزمنة، وان مضاعفاتها تبدو طبيعية، لكننا نحذر بكل قوة من الاعتياد على مظاهر المرض، وندق البوابات، لإيجاد حل جذري، والا فسنجد انفسنا امام سنوات أسوأ واصعب بكثير مما نحن فيه هذا اليوم، وهذا العام.
الغد