اكتئاب الساسة وارتياب النخب!
د.طلال طلب الشرفات
15-06-2019 09:23 PM
بالأمس كتبت مقالاً تحدثت فيه عن رأيي في قدرة الحكومة على احتواء المعارضة بطريقة، أو بأخرى، وقلت إن الرئيس امتلك الولاية العامة في التشكيل، والتعديل، واتخاذ بعض القرارات المهمة، وأن الدعم الذي حصلت عليه هذه الحكومة لم تحظ به أية حكومة أخرى، وهذه حقيقة أعرفها ولي اطلاع على أدق تفصيلاتها، وقد نالني من النقد ما أوصل البعض لمحاولة مصادرة رأيي، والإصرار على التمسك بالتحليل الانطباعي لسلوك الحكومة في الأداء العام، وعدم القدرة على الفهم بأنني في تحليلي لمدى قدرة الحكومة على احتواء المعارضة لا أمتدح الحكومة، أو أنقدها، وإنّما أحاول تشخيص الواقع الوطني المرتبك حالياً، والملتبس أصلاً.
ليس لدينا معارضة حقيقية منذ ربع قرن عند إقرار الصوت الواحد، والحركة الإسلامية انتقلت لمرحلة درء المفاسد السياسية منذ الردة السياسية في بعض دول الجوار، وإقصاء الإسلاميين هناك. أمّا القوميين فقد سلّموا عنادهم السياسي في النضال إلى الأجيال القادمة، وتخلوا عن مناصرة الديمقراطية، وناصروا الانقلابات من أجل تقزيم الاسلاميين، وإقصائهم. وكان لقوى اليسار تحالف مع السلطة انتج نخباً منقادة، أو منغولية في محاكاة المشهد العام، وتحول بعضهم إلى تيار المحافظين بخطاب إصلاحي ديمقراطي مفرغ من محتواه. وأسهمت الوقيعة السياسية في تحويل بعض الساسة إلى أدوات فتنة، وعوامل إقصاء، وأضحت المعارضة السياسية مقاومة اجتماعية تحتمي بالعشيرة ككل القوى الاجتماعية الأخرى.
النخب السياسية الأردنية افتقدت أدبيات قبول الرأي الآخر منذ عشر سنوات على الأقل، وأصبح احتكار الحقيقة نهجاً في سلوك الساسة داخل الحكم، وخارجه، ولم يعد ممكناً الركون لفهمنا لديمقراطية البعض لإبداء رأينا الآخر باختلاف دون خلاف، فالسلوك السياسي لمن يشغل الموقع العام أضحى سلوكاً قمعياً غاضباً بنكهة ديمقراطية لا تتعدى عبارات المجاملة، والمقابلات الإعلامية. والمشكلة الأكبر تنهض عندما ندرك أن البدائل الديمقراطية للنخب الحاكمة لم تعد متوافرة، سيما وأن السلوك الانتقامي يبقى حاضرًا لكل من يعود للموقع العام بعد التقاعد، ويلوث أخلاقيات الأداء العام.
في المشهد العام الأردني انفلات صارخ من أدبيات الحوار، وانحلال مُدان في اخلاقيات قبول الآخر، ونكوص في مفهوم الوطنية لحساب التوظيف البراجماتي المصلحي لمفهوم المواطنة. والمشهد الوطني يعاني من حالة من التحلل المقيت في الالتزام السياسي، وحالة تدجين النخب أضحت ظاهرة تعتري الواقع الأردني منذ عودة الديمقراطية في نهاية ثمانينات القرن الماضي، والحيرة الوطنية التي ترافق ارتياب النخب، واستعدادها لممارسة الانتهازية السياسية حالة تثير القلق، والخطر على المستوى الوطني، وتعيد الى الأذهان مخاطر الفشل التدريجي للمؤسسات العامة الأساسية.
لم يعد ممكناً الانتظار أكثر لتوفير حاضنة وطنية لترسيخ الأخلاق السياسية، وبقايا الوطنيين الصادقين أصبحوا في عداد المتأثرين بالرشوة السياسية، أو التنازل عن الأدبيات الوطنية لأشغال الموقع العام كمشاركة سياسية يفترض أن تكون حقاً وطنياً خالصاً بعيداً عن أي مغريات سياسية وفق قواعد المساواة، والشفافية، وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون. والحقيقة التي لا نستطيع الهروب منها تشي بأن الواقع الوطني مرتبك، والنخب السياسية مزورة وتدور بين الاهتراء، والتحلل، والبقية القليلة الباقية في طريقها إلى الزوال، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء...!!!.