لا أكاد أتخيل علاقات أردنية خليجية غير ودية على الإطلاق , وإلا فإن علينا جميعا أردنيين وخليجيين أن نتلمس رؤوسنا ونمعن النظر في ما سيترتب حتما من إنعكاسات سلبية , ليس علينا في الأردن والخليج وحسب , وإنما على الشرق العربي كله , وبالذات في هذا الزمن الحرج والدقيق والخطير جدا!.
فكما الأردن هو حائط الصد الشمالي من بلاد الشام عن دول الخليج العربي الشقيقة , فهي أيضا " دول الخليج " حائط الصد الجنوبي عن الأردن . هذا عرف تاريخي لا هو بالجديد ولا بالمستجد , بل هو موغل في القدم وعبر مختلف مراحل الأحداث والتطورات التي شهدتها المنطقة والإقليم عموما , وبخاصة على صعيد تطورات قضية فلسطين تحديدا , بإعتبارها قضية مركزية أردنية بإمتياز, وقومية خليجية وعربية بإمتياز أيضا .
التشابك الإيجابي بين الأردن ودول الخليج العربي عميق سياسيا إقتصاديا وإجتماعيا , ويتعدى ذلك في تشابه النظم السياسية الحاكمة والمصالح المشتركة ووحدة الضرر كذلك .
من هنا فلا يمكن لعاقل راشد نابه حريص على مصالحه الوطنية , أن يتصور أن أيا من دول الخليج العربي تعمل ضد الأردن ومصالحه , أو أن الأردن في المقابل يعمل ضد مصالح أي من هذه الدول الشقيقة .
يستغل الكثيرون من رواد وسائل التواصل الإجتماعي ما تسمى بصفقة القرن لإظهار كما لو كان الأردن وهذه الدول الشقيقة في حالة تنافر أو حتى خصام .
لا أعتقد أن الأمر كذلك , فالأردن يريد من الدول الشقيقة أن تقدر ظروفه وموقفه من هذه الصفقة التي تتصل مباشرة بمصالحه الوطنية العليا من جهة , وتتهدد قضية فلسطين بالتصفية لحساب ما يسمى حديثا بالأمن القومي الإسرائيلي , وبمعزل تام عن الأمن القومي العربي من جهة ثانية ! .
في المقابل فالأردن يقدر من جانبه ظروف تلك الدول الشقيقة وما تواجه من مخاطر وتحديات ماثلة على الأرض , لكنه على يقين من أنها لا يمكن أن تقبل بتصفية القضية على نحو ما تريد " إسرائيل " وتتمنى , ولا بتهديد المصالح الوطنية الأردنية , وإلا فهي تعمل ضد مصالحها هي. ولا يمكن لأحد أن يقدم على شيء من هذا.
الصفقة موضوع الإجتهادات والمناورات السياسية ليست قدرا محتوما واجب التطبيق كما أشرت قبل شهرين ربما , وإنما هي مقترح جاهل بائس بمقدورنا نحن الفلسطينيين والأردنيين إجهاضه بالرفض القاطع , مستندين إلى حقيقة أن أشقاءنا الخليجيين ليس من مصالحهم ولا من مصالحنا ممارسة أية ضغوط علينا للقبول بمصيبة تتهدد حتى وجودنا معا أردنيين وفلسطينيين ! .
أرى أن على المتسرعين في إطلاق الأحكام والإجتهادات وحتى الإتهامات بحق أشقائنا في دول الخليج وربما لاحقا بحق دولتنا , أن يتحلوا بالصبر والتروي , وأن يتركوا مساحة للدول للمناورة وشراء الوقت كي تمر العاصفة التي بدأت تهدأ وتتفسخ تباعا . وأنا على يقين من أن الصفقة قد ماتت ولن تحيا من جديد مهما قيل ومهما جرت لها من ترتيبات شكلية , لسبب بسيط جدا وهو أن ما من عربي ولا مسلم يمكن أن يقبل بها تحت أي ضغط كان .
العلاقات الأردنية الخليجية جيدة ويجب أن تجود أكثر ولمصلحة الأطراف كافة , ولقد سمعت من جلالة الملك عبدالله الثاني مواجهة مع نخبة سياسية , ما يؤكد ذلك وينفي أي جفاء في العلاقات مع هؤلاء الأشقاء وسواهم من الأشقاء العرب .
سرني سماع الأنباء عن تعاون عسكري مناوراتي بين قوات مسلحة أردنية وسعودية, وأخرى أردنية إماراتية , وهو تعاون وتنسيق يجب أن يشمل سائر المجالات , فمهما إدلهمت الخطوب وتكاثرت التحديات وتكالبت الشرور على أقطارنا , فنحن في نهاية المطاف لبعضنا البعض, ولا إنفكاك بيننا وبين مصالحنا المصيرية المشتركة .
الأردن القوي الصامد درع للخليج , والخليج القوي الصامد درع للأردن . فقط مطلوب أن نسمع من بعضنا ولبعضنا البعض , كي ندفع الشرور معا عن أقطارنا وعن قضيتنا المركزية " فلسطين وقدس الأقداس " . الله سبحانه وتعالى من وراء القصد .