روي أن أحد المختلين عقلياً ( مجنون ) صعد احد الأبراج العالية بمحاذاة احد الشوارع المكتظة بالمارة، ويحمل معه حجر كبير يهدد برميه فوق رؤوس الناس مستخدمي الطريق، ويتجمع حوله الناس أسفل البرج في محاولة لإقناعه بالعدول عن رأيه، وتفشل كل المحاولات في اقناعه بالنزول من أعلى البرج، وفجأة يظهر رجل يحمل بيده منشارا كبيرا ، فيسأل الرجل الناس ما بكم تتجمعون أسفل البرج؟ فشرحوا له القصة، فضحك بأعلى صوته وقال لهم: أنا لدي الحل، سأجعله ينزل عن البرج بدقيقة واحدة، فينادي الرجل على المجنون ويقول له: اسمع إذا لم تنزل سأقوم بنشر هذا البرج بهذا المنشار فتسقط أنت والبرج معا، وفجأة يبدأ المجنون يرتعد خوفا ثم ينزل بسرعة من أعلى البرج، فيتعجب الناس لأمر هذا الرجل صاحب المنشار الذي استطاع إقناع المجنون بالعدول عن رأيه بهذه السرعة، فيسألونه عن السر، فيقول لهم: انتم لا تفهمون شيئا، وما زلتم تستخدمون الوسائل والأساليب التقليدية في معالجة المشاكل، وانتم لم تخاطبوه على قدر عقله، خاطبوا الناس على قدر عقولهم، وباللغة التي يفهمونها، ليتبين فيما بعد أن صاحب المنشار هو مختل عقليا (مجنون) كصاعد البرج.
في ظل تزايد حالات الشروع بالانتحار في مجتمعنا سواء من المختلين عقليا أو المهووسين نفسيا، أو ممن يعانون من الإحباط والفقر والمشاكل الاسرية، أقول: ربما لا تنفع معهم لغة العقلاء، وربما نجد أنفسنا بحاجة إلى شريحة من المجانين للتعامل والتفاوض معهم لعل وعسى أن تفلح أساليبهم في الحد من هذه الحالات، وتوفير الوقت والجهد على الأجهزة المعنية، وبالتالي فإننا نجد أنفسنا بحاجة إلى رجل شرطة شمولي قادر على التعامل مع معطيات الحياة وتغيراتها وأطيافها المتعددة، كما نجد أنفسنا أمام الحاجة إلى رجال شرطة من أطياف وألوان متنوعة وخصائص شخصية مختلفة، يحملون معهم مناشير بدلا من الأسلحة.
وفي زمن اختلط فيه العاقل والمجنون، وانقلبت فيه المعايير، وصار الحر عبدا، والظلم والجور عدلا، والاعتداء على حقوق المواطنين وارزاقهم نهجا، وارتفع ثمن الرخيص البخس، وفي ظل هذا الوضع من اليأس والإحباط، والذي يدفع بالبعض إلى الانتقام، ويقود إلى القسوة في التعامل مع كل شيء، ربما نحتاج الى حكومات من نوع آخر، يحمل أعضاؤها اخشابا بدلا من العصي، يخرجون بمقترحات وآراء وحلول غير تقليدية، وبجرأة عالية، ويمارسون عملهم على نحو غير معتاد، ومن أفواههم تؤخذ العبر .
وفي النهاية وبالاستفادة من اللغة التي استخدمها صاحب المنشار مع صاعد البرج، أقول محذرا من تسول له نفسه الإقدام على الانتحار أنه يجري التفكير حاليا بإعداد مشروع قانون بموجبه سيتم إعدام كل شخص يقدم على الانتحار بعد تنفيذ جريمته، ليكون عبرة للآخرين، في حين يتضمن مشروع القرار أيضا تامين فرصة عمل لمن يشرع في الانتحار، وبناء عليه ومن الآن فصاعدا لم يعد هناك حاجة إلى التقدم لديوان الخدمة المدنية بطلب للتعيين أو التوظيف، ففي الصعود إلى المباني والأبراج، وأعمدة الهاتف والكهرباء الحل، أما العقلاء فسيطول بهم الانتظار، وربما لن يكون لهم نصيب في شيء في دولة حملة المناشير، وحالهم لن يختلف عن أولئك الذين استحوا فماتوا، ومنهم اي العقلاء الكثير وقعوا ضحايا لمجانين في مواقع السلطة على شاكلة حامل المنشار، فقتلوا لديهم الطموح بجرة قلم، وخيبوا آمالهم التي عاشوا بانتظار تحقيقها، وافنوا أعمارهم من اجلها، وتحكموا في مصائرهم بقرارات فردية غبية جائرة وحاقدة اتخذوها من غير خوف من احد، وفي ظل غياب الحسيب أو الرقيب، وموت الضمير.