من ينقذ المريض من طغيان مستشفيات خاصة ؟
07-10-2009 02:57 AM
من المفارقات غير اللطيفة في زمن التقدم العلمي والتطور الطبي ودعاية الرعاية الصحية الشاملة ، أن تجد كثير من الناس يتوجهون الى الصيدليات لوصف حالتهم المرضية ، ليلعب الصيدلي دور الطبيب ، فيصف العلاج للمواطن الشاكي ، دون تشخيص المرض .. وهذا ألطف بكثير ممن يرتادون محلات العطارة والطب الشعبي ، في محاولة منهم جميعا الاستغناء عن الذهاب للأطباء الاختصاصيين أو المستشفيات الخاصة ، والتي تتطلب ميزانيات هائلة قد تكلفهم بيع بيوتهم أحيانا حتى يسددوا فواتير المستشفيات غير المبررة والتي تصل لعشرات الآلاف من الدنانير ،ومن غير اللطيف ان تلعب دور فنادق الخمسة نجوم ، أو كأنها منتجعات تقدم خدمةالنقاهةلطبقة أغنياء البشر .
ان أسعار المستشفيات الخاصة على تواضع خدمات معظمها ، وصلت حدا لا يطاق ، وباتت عامل طرد للمريض الأردني واستقطاب للمرضى العرب على حساب المواطن ، يقابلها خدمة لا ترتقي الى السعر الذي يعد هو الآخر مرضا بحد ذاته يصيب المريض أو ذويه .. ولو تفحصنا في المستشفيات الخاصة كلها لن نجد أكثر من مستشفيين أو ثلاثةعلى الأكثر تتمتع بالمواصفات الطبيةوالفندقيةعالية المستوى ، وهذا ما يجعل كثير من أطباء الاختصاص يتعاقدون معها طمعا لا عطاءا.
من هناك تبدأ مشكلة أخرى وهي ارتفاع أجور أطباء الاختصاص غير المبرر ، فيكفي أن يمر الطبيب على مريض له في المستشفى من بين عدة مرضى له ، ولا تتجاوز الزيارة خمس دقائق تتخللها دردشة ، وفحص بواسطة السماعة ، والاستماع للممرضة ، ليسجل للطبيب على فاتورة المريض خمسين دينارا في أدنى الأسعار للتضاعف حتى المائة وخمسين .. فهل يعقل هذا ؟
فإذا ما علمنا أن كثيرا من الناس لا يتمتعون بأي تأمين صحي أو أن التأمين الصحي الذي يتمتعون به قد لا يشفي مرضهم الطارئ نظرا للضغط الهائل على المستشفيات الحكومية ، فلنا أن ندرك حجم المأساة التي يتعرض لها أي مواطن غير مؤمن صحيا في حالة تعرضه لحادث سير أو حاجته لإجراء عملية جراحية طارئة ، فذلك قد يكلفه حفنة آلاف من الدنانير خلال أيام ثلاثة أو أسبوع بحد أقصى ،، وفي النهاية فإن الأجور ترتبط بمدى الخدمة السريرية للمريض أو ما يسمى الخدمة الفندقية ، لأن التداخلات الجراحية والعلاجات لا تتطلب كل تلك المبالغ الخيالية،التي تدعو بعض المستشفيات الى حجز جثة المريض بعد موته في المستشفى ، وهذا ما حدث مع أكثر من مستشفى في سنين سابقة .
الأمر الآخر الذي بات متوقعا في عدد من المستشفيات الخاصة ذات التصنيف الرديء هو الأخطاء الطبية الناتجة عن إهمال كادر تمريضي أو خطأ بشري للطبيب المعالج ، أو مخاطرة طبيب المستشفى بإجراء عمليات جراحية لمرضى على الرغم من ان الخطر المتوقع أكثر من درجة النجاح ، فيخرج المريض سائرا على قدميه ويخرج مشلولا تماما كما حدث في غير مستشفى ، وليس آخرها المستشفى الذي كان موضوع خبر نشرته أكثر من صحيفة فضلا عن "عمون" ، والذي خلت إجراءاته من أي ذرة للإنسانية أو حتى المهنية ، فبعد فقدان الأسرة لصحة وسلامة أبنهم الجسمية والحركية والحسية نتيجة خطأ بشري كما نشر ، قامت الإدارة بمطالبة الأهل بتكاليف الاقامة بالمستشفى .
ولو أجريت دراسة وأعتقد إنها نشرت حول عمليات الولادة ، لوجدنا إن العمليات القيصرية أصبحت في تزايد مطرد وهذا ينتج عنه ارتفاع تكاليف عمليات الولادة نتيجة نصح الأطباء للنساء بالعمليات القيصرية .
ثم إذا عدنا الى الصيدليات وشركات الأدوية فسنجد إنها هي الأخرى أصبحت جزارا يشارك المستشفيات الخاصة والأطباء ممن لم يرحم الله وممن ليس عندهم حس إنساني ووطني ، فأسعار الأدوية مرتفعة جدا وتشكل عبئا ماليا كبيرا على كثير من المرضى وأسرهم ، خاصة ممن ابتلاهم الله بالأمراض المزمنة ، وما قصة الاحتكار ، وتمتع بعض الشركات بالحصرية لاستيراد الأدوية إلا مصيبة أخرى من المصائب التي يتمتع بها المواطن الحافي في وطننا .
ولن أورد هنا قصص عن معاناة العديد من المرضى والفقراء ، ولكن هناك أبنة لأسرة فقيرة ، لم تذهب الى طبيب الغدد منذ سنة لعدم امتلاكهم ثمن الكشف الطبي والفحوصات المخبرية وعلاج الغدة الدرقية .. فأي أرض هذه التي سيباركها الله ، وأي خير نرجوه من الله الذي أوصانا بالرحمة .
عموما وحتى لا نكون جاحدين ، فإن هناك من الأطباء من يتنازلون عن أجورهم جزاهم الله خيرا ، وهناك مستشفيات أيضا عكست السمعة الطبية الرائعة التي يتمتع بها الأردن والتي جعلته محجا للعديد من المرضى العرب خلال السنوات السابقة ، ولكن الربيع لا يدوم طويلا ، فهناك دول كانت تبعث مرضاها للاردن أصبحت تفكر ، بل وباشرت بإنشاء مستشفيات كبرى وأصبحت تطلب خبرات أردنية من أطباء وطواقم تمريضية ، لأنها رأت ان الأسعار في ارتفاع كبير ، مقابل مراوحة الخدمة الطبية التي باتت تغلب المسألة المالية على المسألة الطبية ، وهي الإنسانية في الأصل .
أخيرا نضطر الى إطلاق سؤال مهم :
لماذا لا يفعل المجلس الصحي العالي والذي تم تأسيسه عام 1965 وهو برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزراء الصحة والمالية والتنمية الاجتماعية والعمل والتخطيط ومدير الخدمات الطبية ونقيب الأطباء و أحـد عمـداء كليـات الطـب في الجامعـات الأردنيـة الرسمية ، ورئيس جمعية المستشفيات الخاصة ونقيب إحدى نقابات المهن الصحية ، إضافة الى إثنين من ذوي الخبرة والإختصاص في القطاع الصحي يعينهـم الرئيس لمـدة سنتيـن.
والمجلس يضطلع بمهمة رسم السياسة العامة للقطاع الصحي ، وضمـان تنظيـم العمل الصحي وتطويـره بكافـة قطاعـاتـه وتقييـم السياسـات الصحيـة بشكل دوري وإدخـال التعديـلات الـلازمـة عليها وإتخـاذ القـرارات الـلازمـة بتوزيـع الخدمـات الصحيـة بجميـع أنواعهـا على مناطـق المملكـة بما يحقق العـدالـة بينهـا والنهوض النوعي بالخدمات.
ولهذا المجلس دور في تنسيق العمل بيـن المؤسسـات والهيئـات الصحيـة في القطاعيـن العام والخاص بمـا يضمـن تكامـل أعمـالهـا. . والإستـمرار في توسيـع مظلـة التأميـن الصحـي ، وبالتالي النهوض بالقطاع الطبي ورفع كفاءة العامليـن في القطـاع العام وتوفيـر الحوافـز المناسبة لهم.
وأخيرا مراقبة أداء القطاع الخاص فضلا عن العام ، و تحديد سقف الأجور للأطباء والمستشفيات الخاصة والتي أخذت شوطا طويلا من النقاشات حولها ولم يخرج علينا أحد بحل يشفي غليل قوم باتوا يفكرون بالكي والعلاج بالشيح والميرمية والجعدة ووصفات الصيادلة ، فهل تسمعنا أذن واعية ، وهل من نصير ليكبح جماح التغول في القطاع الطبي الخاص .
royal430@hotmail.com