الفنّ خير معبّر عن الحضارة والثقافة والرقي، وربما يعبر أيضا عن التخلف والرجعية والانحدار، فهو النموذج العاكس لحالة الأمة التي خرج منها، لذلك يصح أن يقال: إن الفنّ مرآة الأمم والشعوب، ولا يجوز لهذه المرآة أن تنقل حالة مزيفة عن الأمة والشعب، لأنها بهذا تكون مرآة مزيفة تشهد بالزور.
وقد طال الحديث وقصُر عما قدمه بعض شبابنا وشاباتنا من عمل يحمل اسم (جن) وكأنه له نصيب من اسمه، وقد قامت الدنيا ولم تقعد على هذا العمل، والسبب في ذلك أنه قدم مشاهد وألفاظا خارجة عن أخلاق الشعب الأردني، وقيمه ودينه، وأعرافه، فشكّل مرآة زائفة عن هذا الشعب، وقدم صورة بشعة لا تتفق مع واقع المجتمع، فكان الطوفان الرافض لهذا العمل المزيَّف والمزيِّف.
ربما يعبّر العمل عن فئة قليلة موجودة في كل زمان ومكان، وفي كل مجتمع، لكن نشره سيوحي أن المجتمع كله كذلك، وهذا يذكرني بالسينما المصرية، حيث كانت تُكثر من تصوير مشاهد النشل والسرقة، حتى صار الناس يعتقدون أنك لا يمكن أن تسير في الشارع أو تركب المواصلات دون أن تتعرض إلى محاولة نشل أو سرقة، وكأن المجتمع شلة من اللصوص والحرامية، وهذا التصوّر خاطئ ومخالف للواقع، نعم في كل مجتمع نجد اللصوص والحرامية، لكن هذا لا يعني أن المجتمع كله كذلك.
الفن قوّة ناعمة، تغزو الدول بها دولا وأخرى، لنشر لغتها وثقافتها وحضارتها، ونحن كشعب متدين ومتمسك بمنظومة الأخلاق والقيم الدينية، علينا أن ننشر لغتنا وقيمنا وأخلاقنا التي لا تتعارض مع ديننا وأعرافنا، لنقدم الصورة الصحيحة التي تمثلنا، ولننشر الخير والفضيلة بين الناس.
وعلى هامش الموضوع، التقيت بشاب جزائري في دمشق فقال لي: أنتم أهل الأردن مساكين، لا زلتم
تعيشون في الخيام، والصحراء، وتتنقلون على الدواب، ولم تصلكم الحضارة. فقلت له: ومن أين عرفت ذلك؟ فقال: من المسلسلات الأردنية البدوية التي شاهدتها.
لاشك سنجد من أمثال هذا الشاب الكثير، لذلك لا بد من أن ننتبه لما نقدمه من فنّ للآخرين، لأنه سيعبر عن هويتنا وأخلاقنا، ولنقدّم أحسن ما عندنا للناس.