تقرأ تعليقات كثيرة، وتلمس فيها تشفياً بما يجري في الخليج العربي، من اعتداءات على السفن، وتمنيات أن تنشب حرب كبرى، لا تبقي ولا تذر، بحيث تتسبب بأضرار لدول عربية، أو حتى للشعب الإيراني ذاته، تحت ذرائع مختلفة، تبدو سطحية وجاهلة إلى حد كبير.
من حيث المبدأ ليس من مصلحة أي عربي، أن تنشب حرب جديدة، في المنطقة، إذ يكفي هذه المنطقة، ما فيها من فوضى عارمة، وابتلاءات في كل مكان، ونحن نرى الذي يحدث في سورية، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، ودول عربية أخرى، وهي فوضى تدفع الشعوب ثمنها، من قتل وتشريد وانهيارات متتالية، لا تقف آثارها عند حدود هذه الشعوب، بل تمتد إلى دول الجوار، وهذا أيضا لمسناه في ملفي العراق وسورية، وتأثير ذلك المباشر، على الأردن، وأمنه واستقراره، ووضعه الاقتصادي.
موجة التشفي إزاء الاعتداء على الناقلات، أو على عمليات الحوثيين، ضد دول عربية، تعبر عن جهل كبير، إذ أن الكلفة العامة، لهذه الاعتداءات لا تقف عند هذه الدول، بل تمتد إلى كل المنطقة، بما في ذلك الأردن، والقصة هنا، لا ترتبط بالجانب المصلحي، أو الانتهازي، من حيث الحديث عن الاضرار التي قد تلحق بملف مساعدات الأردن، من دول عربية، أو حتى أسعار النفط، إذا ارتفعت بشكل حاد، أو حتى وجود مئات آلاف الأردنيين في دول الخليج العربي، بل ترتبط أيضا، بموقفنا من العالم العربي، والجانب الاخلاقي، الذي يمنع في الأساس، قبول أي ضرر بالعالم العربي، ودوله.
نشوب حرب كبرى، سيؤدي إلى نتائج كارثية، أبرزها ان مثل هذه الحرب، قد تبدأ ولا تتوقف، وستؤدي إلى اضرار كبيرة، تمس استقرار شعوب عربية، وأمنها واستقرارها، واقتصاديات تلك الدول، هذا فوق ان نشوب هذه الحرب سيؤدي إلى كلف هائلة على الشعب الإيراني، الذي يدفع كلفا منذ أربعين عاما، وليس بحاجة إلى حرب يجرها اليه نظامه الرسمي.
برغم القوة الهائلة للولايات المتحدة الأميركية، إلا انها إذا قررت التورط في سيناريو الحرب، فسوف تجد نفسها أمام سيناريو مختلف، لا يمكن حسمه حتى لو ضرب الأميركيون طهران بقنبلة نووية، والسبب في ذلك أن واشنطن ذاتها سمحت بتمدد المشروع الإيراني إلى دول عربية متعددة، وهو تمدد لم يكن هامشيا، أو فرعيا، بل كان تمددا أساسيا ورئيسيا، وسيكون فاعلا حتى لو تعرضت إيران لضربة ماحقة، وهي ضربة لن توقف المساحات التي يسيطر عليها المشروع الإيراني، من الرد، سواء عبر اليمن، أو لبنان، أو العراق وسورية، هذا فوق الدول التي توجد فيها خلايا إيرانية وعربية، كامنة، وتابعة لطهران، وتنتظر توقيتا ما.
الأردن على فقر إمكاناته وظروفه الصعبة، ليس له أي مصلحة في حرب جديدة في الخليج العربي، والقصة كما اشرت لا ترتبط بجانب مصلحي له علاقة بالوضع الاقتصادي، أو تدفق المساعدات أو وجود الأردنيين في دول الخليج العربي، أو احتمال ارتفاع أسعار النفط إلى سقوف جنونية، بل ترتبط أساسا بالجانب الأخلاقي الذي يفرض علينا أن نتمنى الاستقرار والخير للدول العربية التي ما تزال مستقرة، هذا إضافة إلى أن الأمن الإقليمي لا يحتمل مثل هذه الحرب، خصوصا أن الأردن هنا يتكئ أيضا على منظومة سياسية مستقرة في الجزيرة العربية، ودولها، بعد أن انهارت المنظومة المستقرة، في شماله السوري، وشرقه العراقي، ووجود الاحتلال غربا.
الأميركيون ذاتهم يتجنبون حتى الآن سيناريو الحرب، لانهم يعرفون، ان توظيف التهديدات الإيرانية، أكثر ربحية، من إنهاء هذه التهديدات، إضافة إلى أن الحرب وفي الحسابات الاستراتيجية، كلفتها خطيرة جدا، وستؤدي إلى انهيار المنطقة، كليا، بما يتجاوز بتأثيره المنطقة إلى العالم، حتى لو كانت واشنطن في سرها، تريد للمنطقة العربية، ان تنقسم، وتغرق في الحروب الصغيرة لإضعافها، واستنزاف ثرواتها، وربما تقسيم دولها.
الذين يهللون لاحتمال وقوع حرب كبرى، لا يعرفون أن نار هذه الحرب، سوف تصل الأردن، الذي قد يبدو بعيدا، لكنه فعليا في عين العاصفة، وليس من مصلحته ابدا، أن تشتعل النيران في كل سوار حمايته القومية.
الغد