تحدثت قبل أيام حول المنطقة الرمادية الفكرية التي تسكن كل فرد منا والتي لا يستطيع أحد الولوج إليها أو معرفة خفايا ما تفكر به أو يطبخ في تلك النفس وقلت أنها تماما كالصندوق الأسود في الطائرة من حيث صعوبة الوصول إليها لمعرفة خباياها وأسرارها

يبدو أن مسلسل الجن عرض بجرأة غير مسبوقة في أحداثه بعض ما يتم في تلك المنطقة ذلك أن واقع المنطقة الرمادية يعني حقيقة وواقع خصوصية ما تفكر به ولا تستطيع أن تفصح عنه لكونه يقع في دائرة المحرمات الاجتماعية التابو فيبقى مجال اقتناص الفرصة للتعبير عنه أو للتمرد على المنظومة الإجتماعية وأي محددات أو مقيدات أخرى ذلك أن تجاوز التابو يعني جريمة تتعدى حرمة الدين فالعرف والعادة في مجتمعاتنا أقوى من الدين ويحسب لها ألف حساب وحساب لأن المجتمع هو الذي يحكم ويصدر حكمه.

لكن يبدو أن الفاعلين الممثلين أو شخصوص المسلسل وطبيعة ثقافاتهم وخلفيتهم الطبقية والاجتماعية والثقافية وأنماط التنشئة التي مروا بها وخضعوا لها تعكس خلفية طبقية وفكرية معنية لا تناسب أو بالمعنى لا تماشي ثقافة الطبقات الأخرى فهم بذلك لم يروا بما قدموا من أمر عظيم ذلك أن الأمر بالنسبة لهم ولثقافتهم يبدو طبيعي ومقبول فقدموا ما هم عليه وما يعكس التفاوت الاجتماعي في نمط وطريقة التفكير أيضاً
.. فجاءت ردة الفعل والسخط الاجتماعية بهذه الطريقه رفضا وليس استهجانا حيث أن كل فرد في حقيقة الأمر يعلم أن هكذا سلوكيات تحدث في مجتمعاتنا وفقا لتدابير معينة وهي ليست ببعيده إلا بشكلها الظاهري العلني... إذن مجتمعاتنا صاحبه الازدواجية الفكرية تقبل مثل هذه السلوكيات سرا وترفضها علانية....!!

لقد أدى مسلسل الجن إلى صدمة اجتماعية كبيرة نتيجة لما قدمت أعلاه... وقد قرأنا وشاهدنا حجم الردود للأفعال والتي آثارت الغضب والسخط لمشاهد رصدت في أحداث المسلسل لا شك أنها لا تناسب ثقافة المجتمع وعاداتهم وقيمهم على الأقل ظاهريا....!!

أعود إلى تلك المنطقة الرماديه التي تسكن الغالبية... يبدو أن حلقات المسلسل جاءت وعرت وفضحت ما يتم في تلك المنطقة وتكشف المستور من حقائق لسلوكيات وتصرفات لواقع اجتماعي قد يكون موجود لدى مجتمعاتنا ومسكون لدى البعض ولكنه التابو ضمن المنطقة الرمادية الفكرية كبل فكرهم.... وقد يكون للتفاوت الطبقي والفجوة هي التي تجعل من السلوكيات مقبولة لدى طبقة معينة ومرفوضة لدى طبقات اجتماعية أخرى .