الرأي العام وقضايا الفساد: من يقود المشهد؟
د. زيد نوايسة
13-06-2019 10:10 AM
كانت عطلة عيد الفطر فرصة مناسبة للحديث عن الشؤون والشجون المحلية، أختلف الأردنيون حول صحة رؤية هلال شوال ورمزية ظهور مسؤول سياسي سابق في الصلاة بمكة، لكن الحديث الطاغي هو تبادل قوائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لشخصيات سياسية وأمنية ونيابية تم الحجز على ممتلكاتها وسيتم احالتها بعد العيد للقضاء بناءً على تحريات هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ما أستدعى منها رداً سريعاً ينفي الأمر، ولكن مع ذلك استمرت الإشاعات وآخرها ما صدر من نائب أسبق يتهم وزيرا سابقاً بقضايا فساد حتى أنه أورد جزءاً من محضر التحقيق كما ادعى وهنا عادت الهيئة مرة أخرى للنفي دون أن يُسأل من روج للمعلومات عن مصادره.
واضح أن هناك من يحاول اختطاف المشهد وتوجيه الرأي العام باتجاهات معينة. ويبدو أن سيل الإشاعات والاتهامات لن يتوقف بالرغم من النفي المتكرر الذي وضع الهيئة التي تحظى بثقة الأردنيين في موقع رد الفعل والنفي بينما الأصل أن تكون منهمكة وبسرية تامة في متابعة قضايا الفساد واستغلال الوظيفة العامة وألا يتم تسريب أي خبر حتى ولو كان استدعاء عادياً للاستفسار. لكن ما يجري أن الأمر يبث بعد دقائق عبر البث المباشر لفيسبوك وغالباً من خارج البلد. كما استطاع بعض نشطاء البث المباشر حين غاب الإعلام الرسمي وفشل بكل أشكاله ومنصاته في أن ينال ثقة الناس ويساهم في صياغة الرأي العام في الأردن ونجحوا في أن يتسمر مئات آلاف الأردنيين لساعات طويلة ليتابعوا تفاصيل وروايات حول قضايا تتعلق بالفساد وبتفاصيل يجب أن تكون في غاية السرية لسلامة التحقيق.
عندما تكون الإشاعة دون مصدر معتمد ومرسلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغالباً من خارج الأردن يمكن لنا أن نعذر عجز الجهات الرسمية في التعامل معها والاكتفاء بالنفي والرهان على وعي الناس في عدم الالتفات لها دون دليل دامغ ورفض اغتيال شخصيات الناس وكراماتهم. لكننا أمام شخصيات إعلامية وغير إعلامية تخرج على البث المباشر وتستغل مواقع التواصل وتتحدث بتفاصيل دقيقة بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها دون أن يتم مساءلتها عن مصدر معلوماتها، والأغرب من ذلك أن بعض هذه الشخصيات عاد للأردن وتم استقباله بكل مودة وترحاب واحترام في خلط واضح بين احترام حرية الناس في التعبير والرأي وهو مطلوب وبين توجيه الرأي العام واستغلال اللحظة التي لا يمكن لأحد أن ينكر أن منسوب ثقة الناس في الأداء الحكومي في اسوأ حالاتها.
هذا ليس دعوة لمصادرة حرية التعبير فهي مصانة ومن حق الناس أن يؤشروا على مواقع الخلل والفساد واستغلال الوظيفة العامة والتربح منها، ولا يستطيع أحد أن ينكر وجودهما فحالنا ليس قمراً ولا ربيعاً، ولكن من حقنا أن نسأل ونتساءل لماذا يترك الحبل على الغارب لبعض الباحثين عن النجومية وخاصة من بعض من يستثمر في الأمر بشكل مثير للشك والريبة، وهل هناك من يستثمر فيهم داخلياً ويقف وراءهم لاعتبارات لا نعرفها ولا ندرك أبعادها!!
إن من واجبات الحكومة محاربة الفساد وعدم التستر على أي مسؤول حالي أو سابق فعلاً لا قولاً فقط؛ لكن الأوجب من ذلك هو عدم ترك تشكيل الرأي العام للباحثين عن النجومية والدور وابتزاز الدولة والمجتمع وغياب المساءلة التي تستند للقانون، وغياب الأدوات الإعلامية الحكومية التي لم يصل لها حتى الآن حالة انعدام الثقة فيها وأن طريقة رد الفعل السلحفائية هي تغريد خارج سياقات التطور المتسارع الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي.
الغد