الأردن أكثر بلد في العالم يتم فيه الحديث عن فاسدين، تلميحا دون ذكر أسماء محددة، والكل يهدد بكشف ما عنده من وثائق وأدلة ومعلومات، لكن لا أحد يكشف في النهاية، ليبقى الكلام عن الفساد، مبنيا للمجهول، وربما يقال إن لدينا فسادا، لكن ليس لدينا فاسدون محددون بالاسم.
الأسابيع الثمانية الماضية تم الحديث عن عشرات الأسماء من مواقع مختلفة. هذا التراشق، حرق الأخضر واليابس، خصوصا أن الذي يتهم لا يتحدث بصراحة.
خلال الأيام القليلة الماضية خرج نائبان فاضلان، أحدهما حالي والأخر سابق، وكلاهما تحدث تلميحا عن ملفات فساد كبيرة ومذهلة لوزراء سابقين، والنائب الأول، يتوعد بكشف التفاصيل في الدورة العادية الأولى لمجلس النواب، التي ستنعقد بعد أشهر، ولا اعرف لماذا ينتظر حتى الدورة الأولى، ولديه القدرة على فضح المستور منذ هذه الأيام، علنا، أو الذهاب لمؤسسات محاربة الفساد، والنائب السابق الثاني يتحدث أيضا عن ملف فساد بمئات الملايين، ولا يعلن كل التفاصيل حتى الآن، وفي الحالتين، فإن الرأي العام يصبح متوترا وقلقا ويريد المزيد من المعلومات، بدلا من حالة الغموض هذه.
في فترات سابقة، كانت الاتهامات بحق أسماء معروفة تخرج علنا، سواء في المسيرات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسواء كانت الاتهامات صحيحة أو غير صحيحة، موثقة أو بدون أدلة، إلا انها كانت تتحدث عن أسماء محددة، فيما الموجة المستجدة خلال الشهرين الأخيرين، شملت عشرات الأسماء، بسبب حالة التلميح والترميز والغموض، ما سمح بالشك بعشرات الأسماء، والكل يتهم من يراه المقصود، بهذه المعلومة أو تلك، في ظل غياب الحسم، والوضوح، والذي يقرأ على سبيل المثال، التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك حجم التخبط عبر تورط اغلبيتنا بصياغة تلميحات جديدة، مشتقة من التلميحات الأصلية، والسبب في ذلك، ان لا أحد يعرف من المقصود، أو أن الكل يشارك في اللعبة، دون هدف نهائي.
الدول الصارمة لا تسمح بنشوء الفساد، ولا تتستر على أحد، وهي أيضا، لا تسمح بتحول شعار محاربة الفساد إلى وسيلة لتصفية الحسابات أو التصفيات الجسدية، بحيث يتم ترك الإشاعات لتشمل عشرات الأسماء، من باب الظن أو عدم المعرفة، فيما المقصود شخص واحد أو اثنين، وهي بهذه الطريقة تجعل كل المجتمع يخوض حرب تصفية ضد بعضه البعض، لان عدم التحرك والحسم يؤديان إلى هذه النتيجة التي يمكن وصفها بالتراشق الجمعي بماء النار، دون أي محددات، إضافة الى ما يمكن اعتباره تحطيما كليا لسمعة اعداد كبيرة قد لا تكون على صلة بهذه الاتهامات التي يتم تسريبها أو تصنيعها أو اشهارها.
لا بد ان تخرج الجهات الرسمية وتتحمل مسؤوليتها، وتنهي هذا الجدل، وتحيل كل مسؤول فاسد إلى الجهات المختصة، وتعلن الأسماء صراحة، إضافة إلى أن كل من لديه معلومات فساد، لا بد ان يمتلك القدرة أو الجرأة ويكشف المعلومات التي لديه، أو على الأقل يسلمها لمن يثق به من جهات مختصة، أو جهات مرجعية، بدلا من هذه الاستغماية التي يتم فيها توزيع الاتهامات يمينا وشمالا.
لا مصلحة للدولة في بقاء الحديث عن الفساد بهذه الطريقة المبهمة والغامضة، كما أن تشاغلنا بالحديث عن أسماء محتملة وغير محددة، يؤدي إلى مزيد من الكراهية والانقسامات، ويعمق الشكوك بوجود حالات فساد حقيقية يتم التعامي عنها، أو حماية أصحابها، أو تركهم لتحترق سمعتهم فقط، وهذا الاستنتاج سيئ للغاية، لأنه يعبر من جهة أخرى، عن عدم وجود خط واضح لمحاربة الفساد، وان الحرب على الفساد بات لها وجه آخر في الظلال، إذ تتحول إلى حرب لتصفية الحسابات، حتى مع غير المقصودين أو المتهمين بقضايا الفساد المطروحة في الأساس؟!
الغد