الإحباط الاقتصادي وبيع الأعضاء
حسن الشوبكي
06-10-2009 04:14 AM
استمرت خطوبته ست سنوات ولم يجد سبيلا الى الزواج، فأجره اليومي لا يتجاوز 5 دنانير، ولا امكانية الى توفير ما يساعده على فتح بيت الزوجية، وبعد جلسات بحث وتدبر مديدة مع الخطيبة، اتفق مراد وهالة على بيع كليتيهما في مصر، في محاولة منهما لحلحلة أوضاع طال تعقيدها.
رجل الشبكة التي تستدرج الطامحين والمعوزين ألقى بشباكه امام هذا النموذج المحبط، فسافرا خلال اسابيع الى مصر واستؤصلت كلية هالة وكذلك مراد في ظروف مشبوهة وغير صحية، ومضى الاستدراج الى اغراء مراد بسهرات وترف أتى على ثمن العملية التي جازف بحياته خلالها، وعاد خائبا من القاهرة، فيما الخطيبة عادت بكلية واحدة، وانفصلا في الزرقاء بعد ضياع أموال الشريك.
القصة السابقة حقيقية، وليست ضربا من ضروب الخيال السينمائي، وتنطوي على احباط أساسه التهميش الاقتصادي وغياب الآفاق وضمور الامل لدى شرائح باتت تبيع الاعضاء والابناء وكل ما هو قابل للبيع بهدف العيش ضمن أقل الشروط.
آخر واسمه أحمد يعمل في أطراف عمان في إصلاح إطارات السيارات لمدة تفوق 14 ساعة في اليوم، لكنه لا يجد ما يسد حاجته وعائلته، قال لي على نحو مباشر ومن دون تردد: فكرت كثيرا في أن أسرق لكي أعيش، ولكنني رأيت أن اللجوء الى بيع الكلية أكثر سهولة وأقل صعوبة، خصوصا وأن العملية تجرى خارج الاردن.
ومثل تلك القصص عشرات بل مئات تضج بالفقر والعوز ونكد العيش، وتتزايد ويتفاقم مشهدها كلما اتسعت رقعة الفقر وسياسات الافقار، وتراجع حظ العاملين وتدني أجورهم وغياب أنظمة الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية عنهم، وتنتقل مشاهد هؤلاء من الحاجة ابتداء، الى ممارسة الاعمال التي يحظرها القانون، وصولا الى السجون ولجم حريتهم بعد أن خبى حظهم وقل نصيبهم في هذه الدنيا التي لم ير منها هؤلاء الا السواد.
معدل سعر الكلية الواحدة يبلغ 3500 دولار، وتتحرك بورصة الاسعار حسب الطلب وحسب قدرة عصابة بيع الاعضاء في استدراج مزيد من المحتاجين والمهمشين، فيما يبلغ نصيب السمسار الذي يقوم على جذب باعة الكلى نحو 1500 دولار، بينما يحصد رئيس العصابة حصة الاسد باستحواذه على مبالغ مرتفعة جراء المتاجرة بالكلى.
تلك العمليات تتم في بيئات طاردة لا مكان للشفافية فيها، أما المستشفيات التي تسمح بحدوث تلك العمليات بوصفها عمليات تبرع لا عمليات بيع، فهي أبعد ما تكون ما تكون عن القانون والانسانية، فالاطباء الذين يجرون تلك العمليات يعلمون حقيقة البيع من التبرع، لكن الفساد وسحر الدولار يتسببان في استمرار تلك العمليات غير الشرعية في غفلة من القوانين والدول.
ملف بيع الاعضاء اقتصادي بامتياز وليس أمنيا، وللوقوف على حقيقة ما يجري بين ظهرانينا، فإن هذا الملف يحتاج الى معالجة الاسباب الاقتصادية والمعيشية وتخفيف حدتها، لا ان تتم ملاحقة العابثين بأرواح الناس بطرق أمنية فحسب، وثمة مسؤولية تراكمية تتحملها الحكومات المتعاقبة حيال أوضاع الفقراء وتشرذم مشهدهم، ويجب ان نسأل مرارا، ما الذي دفع مراد وهالة وأحمد وغيرهم كثيرين لبيع جزء من أجسادهم لصالح المجهول؟
الاحباط الاقتصادي سبب مباشر لكثير من الجرائم، ولا يوجد أكثر إيلاما من ان يتخلى انسان عن عضو من جسده، بسبب ضيق ذات اليد.