بدأت الحملات الانتخابية للبلديات ومجلس النواب مبكرا ، ومن الغريب ان يعتبر كثير من المرشحين ان ثمن الصوت الانتخابي ، بخس ورخيص ، الى الدرجة التي تبيح لكثير من المرشحين ممارسة هواياتهم في هذا الصدد.لا تخلو حملة انتخابية واحدة للبلديات او مجلس النواب ، من دعوة ما الى منسف يتم عبره تأليف قلب الناخب الفقير ، وفي احسن الحالات ، منحة صوبة لشتاء لم يأت بعد ، او بضعة حرامات ، وفي حالات اخرى عشرين دينارا للصوت الواحد ، والناخب الفقير يقبل هذا الثمن البخس ، على اساس ان هذا قليل مما لدى المرشح الثري ، ولربما فيه استرداد غير مباشر لاموال الفقراء من جيوب الاغنياء.
سحنة المرشحين للبلديات ومجلس النواب ، السحنة التي تذكرني بارتداء الذئب لفروة الخاروف ، التمسكن حتى التمكن ، الوجه الشاحب والاسنان الصفراء ، والخوف المفتعل على الوطن ، والف قسم ويمين في الجلسة الواحدة بأنه لن يتركهم بعد الوصول ، ثم الاختفاء لاحقا بعد الوصول وتغيير رقم الموبايل ، وربما الهرب الى عمان ، والانتقال الى بيت اخر ، امر مفهوم فرئيس البلدية او النائب المحترم ، يريد اليوم ان يسترد النفقات من هكذا ناخبين اجبروه على هدر عشرات المناسف من اجل ان يصوتوا له ، والانتقام يبدأ على مرحلتين ، الاولى الانتقام المعنوي بالاختفاء والاختباء والتجبر وتنشيف ريق من وقف على مناسفه الكريمة ذات يوم ، والثانية تبدأ باسترداد الخسائر المالية عبر الدخول في صفقات تجارية والتوسط لرجال اعمال لتمرير معاملات لهم ، والارتماء في اول حضن ممكن لاثرياء اردنيين او عرب لتمرير أي خدمة لهم ، واحيانا الضغط على الحكومة ، للحصول على رخصة بئر او باصات او حتى رخصة قيادة في بعض الحالات.
الفقير الذي يقبل بيع صوته بدراهم معدودات ، خسران بطبيعة الحال ، ومناسف المرشح ، التي هي سم زعاف ، لا تصنع وطنا ولا تحمي بلدا ، من هكذا سماسرة يعتبرون ان الفقير الاردني يمكن شراء صوته بدعوته واطفاله الى منسف ، وتشريب اللبن من يد المرشح الكريمة وهي ذات اليد التي سرقت الرغيف من فم الاردني في ظروف اخرى ، ولولاها لما وقف الفقير اليوم على منسفه هذا يعلن له الولاء مقابل لحم مستورد ومغشوش ، ولبن تم جمعه من مستردات مصانع اللبن توفيرا للنفقات.
ان يكون شعار الحملة الانتخابية ، سياسيا ، لكثير من المرشحين هو امر يبعث على الاحترام ، اما ان يكون شعار الحملة الانتخابية لكثير من المرشحين هو "المنسف والكنافة" كتأكيد للوحدة الوطنية من جهة ، وكدليل على ان المرشحين لا يؤمنون بمواطن بهذا البلد ، ولا يؤمنون الا بدفتر العائلة والاصوات التي فيه ، هو امر يبعث على القرف من هكذا حملات انتخابية ، تبدأ بصورة المرشح وقد طلى صلعته بالجل ، كدليل على شبابه الكريم ، وتنتهي بتقبيل الناخب العجوز ، برغم ان المرشح يشتم اليوم الذي اضطره لتقبيل فقير واحتمال رائحته.
المناسف والاعطيات والرشاوى في الانتخابات البلدية والنيابية ، امر مهين لشعبنا ، وكان الاولى لبعض الميسورين الذين يمارسون هكذا ممارسات ، لو توقفوا عن نهب المال العام بوسائل مختلفة ، ثم اعادة بعض الفتات على شكل موائد واعطيات ، فالاردني لا يباع ولا يشترى ، حتى لو اعتقد فاسدون ان بامكانهم شراء احياء بأكملها من مالهم الحرام.