"انا الاردن"
المحامي عبد اللطيف العواملة
09-06-2019 01:50 AM
نستذكر في عيد الجلوس الملكي السعيد بأن الاردن يمثل اكثر من الارض و التاريخ و الجغرافيا و الثقافة. الاردن رسالة و نموذج يمكن ان يضىء حاضر و مستقبل الاقليم. فقد اثبت التاريخ الحديث بالوقائع التي من حولنا ميزة، و احقية، و استدامة الاردن كنموذج و كرسالة.
رحب الاردن بالناس من بقاع الارض جميعاً و شملهم في ثقافة وسطية معتدلة و منفتحة منذ امد طويل فلا لون و لا عرق و لا جنس و لا اعتقاد يتقوقع فيه الناس بل افراد متساون في الحقوق لا سلطان عليهم الا ضمائرهم و القانون. المواطنة هي الاساس و العمل و الابداع هما الميزان. قليل منا يتذكر مثلا بان اول رئيس وزراء مولود في الاردن تولى المنصب كان في عام 1950 و تبعه بعد ذلك عدة رؤساء وزراء لم يكونوا من مواليد الاردن، هذا عدا عن قامات من الوزراء و من المسؤولين و قادة المجتمع السياسي و الاقتصادي و الثقافي. لم يجد و لا يجد اي اردني في ذلك غضاضة، بل مدعاة للفخر. فالاردن وطن كل من يؤمن به و يدافع عن مبادئه و يساهم في نهضته.
نبراس الاردنيين حب الخير للجميع و الرغبة في البناء و العمل. الايجابية ممزوجة في وجدان الاردنيين و ايمانهم بثوابتهم الانسانية و القومية و الوطنية حقائق ذاتية و منطلق كل قول و عمل. هذا الوجدان الواحد هو ما يجمع الاردنيين في السراء و الضراء و هو خميرة الرسالة العظيمة التي تواصل العطاء. عقيدة الاردن منذ بداية تكوينه مؤسسة على قوة الحق لا حق القوة.
الاردن يعرف من هو و هذا ما يميزه عن محيطه. الاردن متنوع الخلفيات و الثقافات، منفتح، وسطي، انساني الانتماء، عروبي المرجعية، مدني الحكم، و عالمي التوجه. الاردن منسجم مع ذاته و لا يعاني من العقد، ليس لديه ما يخفيه او يخاف منه، لا يعتدي و لا يتأمر، و يدرك مهالك الافراط و و مأسي التفريط. نحن بلد يحب الخير و السلام للعالم اجمع.
للاردن رسالة يمكن لاقليمه (و لعالمه) الاستفادة منها، فقد اثبت النموذج الاردني صلابته و منعته و عمق جذوره. الاردن قيادة هاشمية من ال البيت تجمع كل الاديان و المذاهب و الطوائف و الاعراق تحت رايتها و لا ينازعها في تلك الميزة احد. جيش الاردن هو الجيش العربي، شعبه متسامح يقبل الاخر، و ضميره نقي يحب الخير للجميع.
نعم، نموذج الاردن يمكن ان ينقذ الاقليم من الاستقطابات العبثية و الحروب الوهمية التي تمزقه. العدو الاساسي معروف و هي اسرائيل مغتصبة الارض ذات العقيدة العنصرية و الدينية الاقصائية و التي هي على النقيض من نموذج الاردن المتسامح. و هناك اعداء ثانويون من داخل المنطقة يعبثون و يتصدرون غير معنيين بمستلزمات الحضارة. اقليمنا بحاجة ماسة الى فهم و تبني رسالة الاردن. ينبغي علينا ان نبلور هذه الرسالة (و نوصلها فلسفيا و ثقافيا) كأساس متين للقوة الناعمة الاردنية، و التي تملك مقومات تغيير وجه المنطقة. "انا الاردن".
ملاحظة: عنوان المقال مقتبس من قصيدة المرحوم الشاعر الرائع سليمان المشيني، و غناها ايضا المرحوم المبدع اسماعيل خضر. يقول الشاعر في مطلعها:
"أنا الأردن...
أنا ... والمجدُ والتاريخُ والعلياءُ والظفرُ...
رفاقٌ .. منذُ كانَ البَدْءُ والإنسانُ والعُصُرُ
مِنْ سمائي شَعَّ نورُ الحقِّ يَهْدي البَشَرِيَّهْ ...
مِنْ رُبوعي ... سارَ رَكْبُ الخيرِ... رَكْبُ المَدَنِيَّهْ"