يصر الكثيرون ان قيام الحكومة بتأسيس شركة لاستيراد المواد الغذائية الرئيسية خطوة خاطئة في اقتصاد حر تقوم عليه الدولة بالاشراف والتنظيم لا التدخل في الشأن الاقتصادي الذي تتحكم فيه قوى العرض والطلب.
قد يكون هذا التحليل منطقيا من الناحية النظرية, لكن في الاردن المسألة مختلفة تماما, والنظرية في هذا الشأن أبعد بكثير من الواقع, فالاقتصاد الاردني ليس اقتصادا حرا كما يتصوره البعض, ولا احد يستطيع ان يطلق عليه وصفا محددا, فالبعض يعتقد ان بعض السلوكيات الرسمية والخاصة تدلل على ان الاقتصاد الوطني هو اقتصاد اشتراكي وآخرون يرونه رأسماليا حرا والبعض يشير انه مختلط وغيرها من الاوصاف التي تؤكد في النهاية انه ولغاية الآن لم تتحدد هوية للاقتصاد الاردني, رغم ان السياسة الرسمية الاعلامية للخطاب الاقتصادي تشير انه اقتصاد منخرط بالعولمة ومبني على قوى السوق.
اليوم تشهد السوق المحلية تخبطا في ادواتها وركائزها, وباتت اليوم مهيمنا عليها من بعض القوى المتنفذة التي تتحكم في استيراد السلع وتسيطر على الاسعار, ولعل الغريب في بعض الامور ان بعض السياسات الرسمية شرعت لحالة الاحتكار السائدة على بعض السلع, فعلى سبيل المثال عملية استيراد اللحوم الحية محصورة بشركة واحدة تملك هذه العملية بسبب تملكها البواخر في الوقت الذي تطلب تعليمات وزارة الزراعة استيراد اللحوم الحية بشكل مباشر من دون توقف من بلد المنشأ الى دولة المستهلك, مما يجعل فعليا الاستيراد لمن يملك وسائل النقل فقط.
تأسيس شركة حكومية لاستيراد المواد الغذائية لا يعني كما يقول البعض العودة لوزارة التموين سابقا, فالامر مختلف كثيرا, في السابق كانت الحكومة تدعم السلع التي كانت تباع بأقل من تكاليفها, اما اليوم فالمطلوب هو الحد من تنامي الاسعار وتحقيق هامش ربح معين لا كما يفعل التجار.
من حق الحكومة ان تمتلك ادوات استثمارية في الاقتصاد الوطني, ولهذا ظهرت فكرة السهم الذهبي في الشركات, الا ان الحكومة تخلت عنه بفعل الضغوطات التي مارسها منظرو سياسة الاقتصاد الفهلوي الذين ارادوا دولة عارية من كل مقومات الحياة المادية, وان تكون خزينتها خاضعة لجيوب المواطنين من ضرائب ورسوم فقط.
مشاركة القوات المسلحة في الشركة الرسمية ضمانة اساسية لاداء افضل للشركة, فكوادر القوات المسلحة تمتلك الخبرات والكفاءات التي ستمكن الشركة من القيام بواجباتها على اكمل وجه, اضافة الى انها ستعزز مسألة النزاهة والشفافية في انشطتها.
طبعا القطاع الخاص خاصة كبار المستوردين المحتكرين للسلع الرئيسية لن يعجبهم هذا الاجراء, وهذا منطقي, لانه سيحد من ارباحهم الخيالية التي كانوا يأخذونها من المواطنين, ولن يتمكنوا من التلاعب بالاسعار والتحكم بها خاصة في المناسبات التي يشتد فيها الطلب وتزداد حاجة الاسر للسلع مثل شهر رمضان والاعياد.
عدم تعاون القطاع الخاص مع الجهات الرسمية في إنجاح عمل الشركة الحكومية التي ستعتمد اساسا على المنتجات المحلية مثل الزيوت سيثبت ان هناك من يسعى لزعزعة الأمن الاجتماعي والاقتصادي, لان هدف هذه الشركة اساسا الحفاظ على الاستقرار المعيشي للاسر الاردنية التي باتت تعيش تحت ظروف اقتصادية غير مواتية للاستمرار الامن, خاصة ان تقلبات الاسعار تشتد بين الحين والآخر وتؤدي الى تآكل القوة الشرائية للدينار. ما يبين الحاجة الى تعاون اكبر بين القطاعين لخدمة المصلحة العامة وتحقيق الاستمرارية في العمل للجانبين من دون أية خسارة.0
salamah.darawi@gmail.com