مشاعرنا مع الصحفي البريطاني ألن جونستون المختطف في غزة على أيدي مجموعة من المتطرفين الخارجين عن القيم الإسلامية والمسيحية والأنسانية، المدمرين لمصالح الشعب الفلسطيني ومكانة قضيته وشرعية نضاله، فالاختطاف مهما بدا مبرراً، رجس من عمل لا يمت لفلسطين وللعروبة بصلة، لأنه بكل بساطة، يقدم خدمة مجانية للعدو الأسرائيلي وللإحتلال ولليمين المتطرف، خدمة وعمل ستوظفه إسرائيل على مدى واسع لتقول من خلاله للعالم أن شعب فلسطين وقواه السياسية وفعالياته الكفاحية لا يستحقون التعاطف أو الرحمة، وهذا ما حصل فعلياً طوال مرحلة الانتفاضة المسلحة الاستشهادية سنة 2000 التي أفقدت الشعب الفلسطيني دعم وإسناد العالم وحجبت عنه التضامن مع معاناته، فرفع الغطاء عنه ووفر ذلك لإسرائيل كافة أنواع الخروج عن المألوف وعن القانون الانساني فقتلت واغتالت ودمرت المدن والقرى والأحياء وتطاولت على المقدسات الاسلامية والمسيحية وفي طليعتها قدسية حرية الانسان وروحهمشاعرنا مع الصحفي البريطاني ألن جونستون ونتعاطف مع معاناته وعذابات أسرته، ونتحسس مدى الحزن الذي يملأ نفسه، وهو يتذكر كيف كان يتعاطف مع قضايا الفلسطينيين ويكتب عنهم ويغيظ قوات الاحتلال التي تخلصت من تقاريره التي كان يفضح ويكشف فيها ومن خلالها جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين الذين خطفوه وطالبوا بفدية مالية لاطلاق سراحه، وبعد أن لم يجدوا أحداً يملك خمسة ملايين دولار لمبادلته، أعادوا تكييف إختطافه وإعلان رغبتهم بمبادلته، بأحد رموز تنظيم القاعدة المعتقل في بريطانيا المدعو أبو قتاده وكذلك العراقية ساجدة الرشتاوي.
الفلسطينيون، أو بعضهم، عبر إختطافهم الصحفي المتعاطف معهم، ألن جونستون، كافئوه، أو بتعبير أدق عاقبوه على افعاله ومقالاته وكتاباته، أما الاسرائيليون أو بتعبير أدق قوات إحتلالهم وأجهزتم الأمنية، فقد حصلوا على هدية متعددة بغياب جونستون، فقد تخلصوا من تقاريره وتخلصوا من شخص عنيد واظب على دعم الفلسطينيين، مثلما وجدوا في ذلك حجة لعدم السماح للشخصيات الأجنبية من الصحفيين وممثلي الصليب الأحمر ومندوبي الوكالات الدولية من دخول غزة بحجة حرصهم على حياتهم وخوفاً من تعرضهم لخطر الاختطاف وبذلك تركوا غزة تحت رحمة إجراءات إسرائيل وسياساتها الأمنية، فهل ثمة غباء أكثر من هذا النضال وهل ثمة خبث أكثر من هذا الاحتلال؟؟
النضال الفلسطيني يتصف بالمشروعية ويتميز بالعدالة، ومسنود بقرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار التقسيم 181 وقرار الانسحاب 242 وقرار الدولتين 1397 وقرار خارطة الطريق 1515 إضافة الى قرار حق اللآجئين بالعودة والتعويض 194، حيث لا توجد قضية سياسية إنسانية لشعب حظيت بالاهتمام مثل ما حظيت به قضية الشعب الفلسطيني، هذه القضية بدأت تفقد أصدقائها ويتسع خصومها ليس بفعل الاحتلال بل بفعل بعض أبنائها وتطرف سياساتهم وبرامجهم وسوء سلوكهم وهذا هو الحزن وهذا هو ذروة الانتحار!!
ما وصل اليه الوضع في فلسطين، وخاصة في غزة صحيح أنه ليس تطوراً طبيعياً، بل هو نتاج عوامل منهجية مدروسة ادت الى هذا الانحدار، صنعتها أدوات الاحتلال واجهزته الامنية المختصة.
أولاً دمرت مؤسسات منظمة التحرير وسلطتها الوطنية وأجهزتها الامنية.
ثانياً أفقرت المواطنين وجعلتهم بدون غطاء مالي وبدون عمل.
ثالثاً عززت دور قوى التطرف السياسي والديني وسمحت بالتمدد وشيوع منطقها.
رابعاً دمرت خيارات الفلسطينيين السلمية وقتلت النزوع الواقعي لدى الفلسطينيين ولدى قواهم السياسية وقد تمثل ذلك بنتائج الانتخابات التشريعية يوم 25/1/2006 حيث لا قيمة لليسار وللمستقلين ولرموز العصرنة والديمقراطية.
عوامل صنع التطرف والأفقار في فلسطين أوجدتها سياسة الإحتلال وبرامجه، ولكن التجاوب مع هذه العوامل من قبل بعض قطاعات المجتمع الفلسطيني، وإنكفاء قطاعات أخرى عن الفعل تتحمل مسؤولياته القوى الفاعلة في المجتمع الفلسطيني وفي طليعته حركتا فتح وحماس، فالاشتباكات المتكررة بينهما أفقدت إتفاقات وقف الاشتباكات وإتفاقات التهدئة قيمتها حتى لم يعد لها قيمة أو إعتبار.
إضعاف فتح تم لمصلحة تطرف حماس، وإضعاف حماس يتم لمصلحة القاعدة عبر تلاوينها الأكثر تطرفاً وهي دورة لا تتم بعفوية بل يتم إختبار العوامل في أرض الواقع الذي يبدو أكثر إستجابة لبرنامج إظهار التطرف وإشهاره، وما عملية إختطاف الصحفي ألن جونستون سوى أحد مظاهره وهو الأبرز في معيار العداء وضد مصلحة الشعب الفلسطيني ويقدم خدمة مجانية إن لم تكن مدفوعة الأجر مسبقاً لمصلحة الاحتلال البغيض!!