الاقتصاد الاردني لو كان شركة
محمد عاكف الزعبي
04-06-2019 01:25 PM
كيف سيبدوا شكل الاقتصاد لو انه كان شركة؟ السؤال غريب بعض الشيء لكنه يقود الى استنتاجات مهمة تشخص مشكلات الاقتصاد بشكل دقيق جدا.
مثلا، قائمة الدخل كانت ستظهر ضعفا في المبيعات وارتفاعا في الإيرادات غير المتكررة في طبيعتها (non-recurring)، فالمبيعات تمثل النشاط الرئيسي للشركة ومصدر النمو الأساسي لها، والاقتصاد المحلي لم يستطع لغاية اليوم أن يحدد لنفسه نشاطا رئيسيا يقوده الى النمو والتطور، لذلك تراه في نموه، عبر السنوات، يعتمد على ظروف غير متكررة أو غير قابلة للاستمرار مثل المساعدات والمنح الخارجية والظروف الجيوسياسية للمنطقة.
وقد لا أغالي إذا قلت إن ضعف المبيعات وارتفاع نسبة الإيرادات غير المتكررة، يعدان أخطر مؤشرين على مستقبل ربحية الشركات وقدرتها على النمو.
أما اذا نظرت الى الميزانية العمومية، فإن الخلل سوف يظهر واضحا في هيكل رأس المال على شكل ارتفاع في منسوب الدين. والمشكلة في ارتفاع الدين أنه يضعف من مرونة الشركة وقدرتها على مواجهة النكسات الاقتصادية، كما أنه يزيد من المكون الثابت داخل هيكل تكاليف الشركة، الأمر الذي يزيد من حساسية أرباحها للتقلبات الاقتصادية. وهذا هو تماما حال الاقتصاد، مديونية مرتفعة تضعف من هامش المناورة لدى صانع القرار الاقتصادي في مواجهة الظروف الاستثنائية، وتزيد من حدة النكسات الاقتصادية وأثر الصدمات الخارجية على النشاط الاقتصادي.
وعلى الجانب الآخر من الميزانية، جانب الموجودات، تظهر مشاكل سوء الإدارة. إذ يُظهر هذا الجانب من الميزانية مدى كفاءة الإدارة في تخصيصها لما هو متاح من موارد وتوزيعها على الأصول (المشاريع) المختلفة. ولو كان الاقتصاد شركة لدلَّت جميع مؤشرات الكفاءة، وعلى رأسها نسبتا المبيعات والأرباح للموجودات، على عدم كفاءة إدارة الشركة في عملية توزيع الموارد المحدودة على النحو الأمثل الذي يضمن تعظيم قيمة الشركة وتحقيق أكبر زيادة ممكنة في ثروات مساهميها (المواطنين في حالة الاقتصاد).
يمكن القول ان "الشركة" بشكلها الحالي تحتاج الى عملية إعادة هيكلة لرأسمالها، وإذا ما نظرنا الى ما تقوم به الحكومة من إصلاحات تحت إشراف صندوق النقد الدولي، فسوف نجد أنها تشبه الى حد كبير عمليات إعادة الهيكلة التي تقوم بها الشركات ذات المديونية المرتفعة، هذه العمليات ضرورية وأساسية لضمان استمرارية الشركات واستعادة ثقة الدائنين والمزودين والزبائن فيها، لكنها، وعلى الرغم من أهميتها القصوى، تؤذي مصالح المساهمين (المواطنين في حالة الاقتصاد) على المدى القصير.
وهي أيضا تحتاج الى إدارة مواردها على النحو الذي يحقق لها الاستقرار وذلك عبر زيادة مبيعاتها والتقليل من درجة اعتمادها على البنود الاستثنائية غير المتكررة. وهذا لا يتحقق إلا إذا تمكنت إدارة "الشركة" من اجتراح مسار يحقق لمنتجاتها ميزة تنافسية، أما على أساس السعر أو النوعية أو الخصائص. وهذا هو ما لم تتمكن إدارة "الشركة"، التي يناهز عمرها المائة عام، من تحقيقه حتى الآن!