لماذا معان؟ هذا السؤال أصبح واحدا من تحديات البحث السياسي- الاجتماعي، منذ أن فاجأت المدينة الجنوبية البلاد بإطلاقها شرارة الاحتجاج الاجتماعي العنيف الذي بدأ من قلب المدينة بتظاهرات وتكسير وإحراق مؤسسات حكومية ثم تمدد مثل حريق الغابات صعودا الى الطفيلة ثم الكرك ثم مادبا حتى ضواحي عمّان الجنوبية فيما أطلقت عليه الأدبيات السياسية تسمية "انتفاضة نيسان" التي يؤرخ بها للتحول الديمقراطي في الأردن.
عاد سؤال "لماذا معان؟!" عدّة مرات أبرزها في قضية أبو سياف حين فجّرت جماعة من المتشددين ما يشبه التمرد المسلح. ويستقي السؤال مزيدا من الفضول بسبب الانطباع التقليدي عن معان كمنطقة ولاء عشائري صلب منذ فجر الدولة؛ اذ كانت المحطّة الأولى لعبدلله بن الحسين ولبضعة اشهر حاسمة في تاريخ تأسيس الدولة الأردنية. فعلى غير توقع وفي غير مناسبة ظهر المناخ العام المعاني متمردا غاضبا محتجا تجاه السلطة المركزية، وثمّة وجهة نظر تعتقد أن ثقة المعانيين بأن ولاءهم للعرش وللدولة ليس موضع شك ابدا فإنهم يسمحون لأنفسهم بجرعة اضافية من الشجاعة وتحدّي السلطات الحكومية التي يرون انها تظلمهم وتهمشهم من دون حق، وبهذا التفسير أو سواه بات تحديا جدّيا البحث في الظاهرة وتفسيرها. وقد تصدّى مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية لهذه المهمّة وأصدر تقريرا بحثيا معروفا.
تعود معان الى الواجهة، وهذه المرّة بتحرك واع ومنظم احتجاجا على "السياسات الرسمية تجاه المدينة وأهلها" وحسب الاخبار فان فعاليات شعبية تمثل القوى الاجتماعية والعشائر من ألوية المحافظة عقدت سلسلة اجتماعات آخرها يوم الخميس الفائت حيث طالب المجتمعون بإنصاف ابناء المحافظة في المسؤوليات ليكونوا شركاء في القرار على مستوى الوطن، واحتجّوا على احتكار المواقع القيادية لفئات ومراكز نفوذ وشبكات تبيع مقدرات الوطن وطالبوا بالتحقيق في قضايا الفساد التي مكنت بعض الشركات من امتلاك اراض واسعة في المحافظة. وقد تقرر العودة لاجتماع الثلاثاء المقبل لبحث "خطوات تصعيدية"!
لعله التحرك الأول من نوعه لاحتجاج أهلي مبرمج يطرح مطالبات جهوية للشراكة في القرار وفي المقدرات. وتخطئ الحكومة اذا تجاهلت هذا النوع من التحرك القابل للامتداد، بل على العكس يجب ملاقاة هؤلاء فورا ومحاورتهم، وهناك جواب أولي بسيط ليأخذ اهل معان حصّتهم العادلة من موازنة الدولة وينفقوها هم بالطريقة النظيفة والكفؤة والصحيحة. وهذا بعبارة أخرى هو مشروع اللامركزية والحكم المحلي. أمّا المشاركة في القرار المركزي بوصفهم جزءا من الوطن فهذا مستوى آخر للقضيّة ويمثل معضلة على أهل معان أن يشاركوا في تقديم إجابة عنها.
jamil.nimri@alghad.jo