وسط عالم متعدد الأقطاب تسانده روسيا وتنسجم معه الصين، أجد شرقاً قوتين عظميين عضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويتبعان النادي النووي العالمي، بينما تتقدم روسيا على الصين في السياسة وتعارض أمريكا بوضوح، وتتفوق على مستوى القوة غير التقليدية بطبيعة الحال رغم الفارق في ميزانية الدفاع تحديداً، حيث تبلغ ميزانية الدفاع الروسية حوالي (46) مليار دولار، ولا تسعى لسباق التسلح وتسعى للتحديث العسكري المستمر ذات الوقت، ولديها قناعة بصناعتها التي تلبي حاجات جيشها وبحريتها ولا تحالفات عسكرية لديها.
وتبلغ ميزانية دفاع الصين (112) مليار دولار، وهي الثانية بعد أمريكا التي وصلت ميزانية دفاعها إلى (750) مليار دولار، وتركز روسيا على نوعية وجودة السلاح، ومنه الذي تنفرد به عالمياً على مستوى الترسانة الصاروخية النووية العابرة للقارات (أفنغارد)، وطائرات ميغ (35) وغيرها.
وتعودنا عبر الإعلام أن نشاهد ونستمع للسياسة الروسية المعارضة لمثيلتها الأمريكية التي تمثل السلطة والقطب الأوحد. وفي المقابل نلاحظ كيف أن الصين سجلت عدة وقفات مساندة لروسيا في مجلس الأمن وسط قضايا وأزمات العالم.
ففي تاريخ 28 شباط 2019 صوتت روسيا والصين بالفيتو ضد مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يدعو إلى إجراء انتخابات بإشراف دولي في فنزويلا وإلى إدخال المساعدات إلى البلاد. وفيتو روسي صيني ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى فرض عقوبات على سوريا بتهمة استخدام السلاح الكيميائي بنفس التاريخ. وبتاريخ 28/2/2017 حركت روسيا والصين فيتو (حق النقض) ضد مشروع قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على النظام السوري لاستخدام السلاح الكيميائي.
وفيتو روسي صيني مشترك عام 2016 يجهض مشروعاً أممياً بشأن حلب، وبلغ تعداد (الفيتو) الروسي الصيني المشترك حول سوريا ستة مرات روسية مقابل خمسة مرات للصين. وفيتو روسي صيني يعرقل توجيه الملف السوري إلى المحكمة الدولية بتاريخ 21/5/2014.
وفيتو روسي صيني ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدين سوريا بتاريخ 5/10/2011.
وفي الغرب أمريكا، وإنجلترا، وفرنسا من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ويمتلكون حق الفيتو (النقض)، وهو المجلس الذي بدأ أعماله عام 1946، وهم جزء من تحالف مكون من (29) بلداً يشكلون (الناتو Nato) العسكري والذي تتقدمه أمريكا، وبلغ متوسط إنفاقاته الدفاعية (686) مليار دولار بنسبة مئوية وصلت إلى 71 % من إنفاق باقي الدول الأعضاء، وتصريح جديد لـباتريك شاتاهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي (وينس ستولتنبرغ) الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بأنه من المتوقع زيادة نفقات (الناتو) إلى نحو (100 مليار) دولار.
ومن هنا بإمكاننا أن نستقي أهمية التوازن العسكري وحتى الاقتصادي بين الشرق والغرب وبالعكس في زمن استمرار اندفاع الحرب الباردة من طرف الغرب بقيادة أمريكا، والدفع باتجاه تصعيد سباق التسلح رغم اللقاءات رفيعة المستوى بين روسيا وأمريكا، ورغم الحراك الياباني شرقاً أيضاً الباحث عن سلام مع روسيا بشأن جزء الكوريل، والعين الأمريكية تتابع إمكانية نصب صواريخها البالستية النووية هناك، بينما العين الروسية حمراء لا تنام.
وعلى مستوى الملف الاقتصادي بين روسيا والصين فلقد وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار، وجسر بري طوله 2169 متراً يمر فوق نهر (أمور)، وينقل 3 ملايين طناً من البضائع و 1048 مليون مسافر، وصفقة غاز سابقة عام 2015 وصلت إلى 400 مليار دولار بينهما، والسوق الروسية ومنه الشعبي يعج بالصناعات الصينية خاصة الملبوسات منها، وهي خطوة صينية ذكية لدفع ديونها لروسيا، بينما هي الصناعات الوطنية الروسية بطيئة التطور في مدن الدرجة الثالثة والأيدي العاملة غير متوفرة، ومرتفعة السعر، والأجنبية تحتاج لمعرفة اللغة الروسية وعبر امتحان. وثمة فارق كبير بين روسيا والصين من زاوية المساحة وعدد السكان، فمساحة روسيا أكثر من 17 مليون كم2 بينما هي مسافة الصين 9.6 مليون كلم2 بينما هي مساحة الصين9,6 مليون كم2، ويبلغ عدد سكان روسيا اكثر من 146 مليون نسمة بينما هو عدد سكان الصين1,398 مليار نسمة، لذلك تتفوق روسيا مساحةً، والصين بعدد السكان، وهو الأمر الذي يعطي مؤشراً على ثقل وزن الشرق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً أيضاً.
وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية للصين كمنافس صاعد في مجال الاقتصاد العالمي، حيث تحتل أمريكا المرتبة الأولى عالمياً في الاقتصاد وما يساعدها على ذلك هو اعتمادها على اقتصادات العالم، وخلق الأزمات وسطها ومثالي هنا الجناح الاقتصادي من صفقة القرن التي تهدف لسلب امكانات العرب، وعملت ذات الوقت على اعاقة الجناح السياسي منها لخلق أزمات كبيرة مثل تصفية القضية الفلسطينية، بينما تنبه العرب لذلك في مؤتمراتهم الأخيرة في (تونس) وفي (مكة) لضرورة تشكيل جبهة مضادة، وللأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني دور بارز بهذا الاتجاه حيث قال جلالته في قمة مكة الطارئة بتاريخ 31/5/2019 ( إن ترسيخ الاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقه دون حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، يمكّن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه العادلة والمشروعة في اقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي المقابل تتبوأ الصين المرتبة الثانية اقتصادياً بعد امريكا مباشرة وتسجل مواقفاً سياسية مساندة لروسيا، ولا تتحدث في السياسة كثيراً في المحافل الدولية بسبب انشغالها في النهوض الاقتصادي أولاً، ولدى امريكا حساسية من دورها الصاعد، ولرغبتها في البقاء وحيدة تدير القطب الواحد من غير حاجتها للاعتراف بعالم متعدد الأقطاب كما يحلو لروسيا ان تدعو له وتتمسك به.
وإذا كانت العلاقات الروسية الصينية وبالعكس دافئة، فإن ما يميز العلاقات الأمريكية الصينية هو التعاون، والصراع، والاستقلالية، والاعتماد المتبادل، وفي نهاية المطاف ستبقى امريكا ترفض اي صعود يعلو على حاجبها الاقتصادي ومنه العسكري وتحرك هدير البحر الباردة مهما كانت النتيجة والتكاليف.