من واجب العقلاء ان يبادروا على الفور لاطفاء اي خلاف بين العواصم العربية، مهما كانت مبرراته، لان المستفيد منه - في الدرجة الاولى - هو الاحتلال الصهيوني، ثم الاخرون الذين يسعون الى مد نفوذهم لابتلاع المنطقة، واجهاض اي مشروع تقارب عربي يمكن ان يتشكل .
اعرف - بالطبع - ان القارئ الكريم سيبادر الى تذكيري بالواقع العربي البائس، وبما انتهت اليه العواصم فعلا من انتكاسات وصراعات، واختلافات في تقدير المصالح المشتركة، وتحديد العدو ومصادر التهديد، اعرف - ايضا - ان الامنيات شيء والواقع شيء مختلف تماما، وان ما فعلناه بانفسنا كعرب على امتداد السنوات الماضية كان ابشع مما اراده اعداؤنا لنا، لكن مع ذلك لا يجوز ان نفقد الامل، كما لا يجوز صبّ الزيت على النار، فأقل ما يمكن ان نقوم به هو « وقف التدهور» العربي، وابقاء الحالة العربية على قيد الحياة، لان عكس ذلك سيكون كارثيا للجميع .
في سياق استدعاء « الحكمة « جاء انعقاد القمتين العربية والاسلامية في مكة مؤخرا كمحاولة (لـلمّ الشمل العربي )، وفي السياق ذاته جاء موقف الاردن الذي عبّر عنه جلالة الملك في خطابيه امام المشاركين في القمتين شاهدا على عمق الازمة التي يعاني منها عالمنا العربي والاسلامي، ليس فيما يتعلق بالتحديات الخارجية التي تهدد الامن العربي، وانما ايضا الاخطار الداخلية والبينية الني تشكل حالة ضعف تغري الاخرين على الاستقواء علينا، والعبث بمصالحنا ووجودنا ايضا .
لا يراود الاردن اي شك بأن « أمن الخليج « هو ركيزة اساسية بالنسبة لنا ، كما ان استقرار المنطقة لن يتحقق الا بحل عادل للقضية الفلسطينية، على اساس اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، تماما كما قال الملك في خطابه بقمتي مكة مؤخرا، وهي رسالة يجب ان تكون مفهومة لكل الذين حاولوا - وما زالوا - ان يضعوا العصي في دواليب عجلة العلاقات بين الاشقاء العرب، الاردن هنا لا يبحث عن مجرد مصالحات عابرة او مقايضات ومساعدات، وانما عن عمق عربي تسانده اعتبارات التاريخ والجغرافيا، والمصير المشترك، والاخطار التي تهدد العرب كل العرب بلا استثناء.
هنا لدي «3» ملاحظات على هامش العلاقة بيننا وبين الشقيقة المملكة العربية السعودية استأذن بتسجيلها : الاولى ان اي اختلافات في وجهات النظر بين الدولتين الشقيقتين يجب ان تفهم في اطار الاجتهاد في تقدير المصالح، والتكامل في تعددية الصواب، لا في اطار تنازع الادوار او تضارب العناوين والاجندات، وبالتالي فان ما قاله الملك في مكة والردود التي جاءت من السعودية تؤكد ذلك، وتطمئننا على ان العلاقات بين البلدين تتمتع بقدر من العافية.
اما الملاحظة الثانية فهي ان الاردن لا يمكن ان يتجاوز عمقه العربي، والخليجي تحديدا، عند البحث عن اية خيارات سياسية اخرى تفرضها ما يتعرض له من تهديد على صعيد القضية الفسلطينية تحديدا، كل ما يريده من الاشقاء ان يتفهموا هذه الخيارات في سياق الدفاع عن وجود الاردن ومصالحه، وان يقفوا مع انفسهم ومعه لمواجهتها، لان امن المنطقة كلها مرتبط بوجود موقف عربي موحد تجاه القضايا والتهديدات مهما كان مصدرها.
تبقى الملاحظة الثالثة وهي ان ما حدث من فراغ في العالم العربي، دفع الاشقاء في السعودية لأن يكونوا بمثابة «الرأس» لقيادة الجسم العربي (السني تحديداً) وملء هذا الفراغ، وهذا الدور بالطبع له شروطه واستحقاقاته كما ان له طموحاته المشروعة احيانا، هذا يبدو مفهوماً، لكن الى اي مدى يمكن ان ينسجم هذا الدور الجديد مع ما نريده ونفكر به في دائرة حقوقنا وادوارنا المشروعة، هذا يحتاج الى تفكير ايضاً.
الدستور