تسجل الحركة السياحية لمدينة البترا قفزات كبرى في الآونة الأخيرة، قرابة نصف مليون سائح زاروا المدينة الوردية منذ بداية العام الحالي، حسب بيانات مفوضية إقليم البتراء السياحي.
الإقبال المتزايد سجل بعد سنوات سابقة تراجعت فيها الحركة السياحية بفعل أزمات الإقليم. لكن مع الاستقرار النسبي للأوضاع في المنطقة، وصمود النموذج الأمني الأردني، تكرست القناعة بالأردن كوجهة سياحية آمنة.
الفنادق التي أغلقت أبوابها في منطقة وادي موسى، عادت للعمل واستقبال السياح بوتيرة جيدة جدا، مثلما انتعشت أعمال القطاعات المساندة والمستفيدة من النشاط السياحي. وشرعت جهات رسمية وخاصة في تدشين مشاريع فنادق جديدة لاستيعاب الحركة السياحية المتزايدة.
انتعاش السياحة في البترا تزامن مع تسهيلات رسمية لاستقطاب المزيد من السياحة الأجنبية لمدينة العقبة. رحلات الطيران منخفض التكاليف جلب عشرات الآلاف من السياح الأجانب للعقبة ووادي رم الذي نال شهرة عالمية بفضل عدد من الأعمال السينمائية العالمية التي صورت مشاهد في تلك المنطقة الرملية الساحرة.
إقليم الجنوب السياحي إذا جاز التعبير اكتسب سمعة عالمية تضاهي أشهر المناطق السياحية في دول كثيرة، وهو مرشح للاحتفاظ بموقع تنافسي دائم على خريطة السياحة العالمية.
هذه فرصة تاريخية للأردن لا ينبغي إضاعتها؛ البناء عليها يحقق مكاسب اقتصادية تعوض بلادنا عما فاتها وتخفف أعباء الدين الخارجي، والاستهانة بها تعني خسارة يصعب تداركها في المستقبل.
لا يكفي الوقوف عند تسجيل المزيد من الأرقام القياسية لأعداد الزائرين للبترا والعقبة ووادي رم، والتصفيق لكل طائرة تحط في المطار أو فوج سياحي يعبر السيق.
البترا بحاجة لثورة استثمارية شاملة، فما تزال المدينة الأثرية الأجمل في العالم فقيرة بالمرافق والخدمات السياحية، وتتعكز على بضع منشآت قديمة ومرافق سياحية بدائية، وصناعات محدودة جدا، لا تجذب السياح لإقامة أطول في غياب شبه تام للمرافق الترفيهية، وعناصر الجذب السياحي كالتي نشاهدها في مناطق سياحية عالمية.
والنظر للمواقع الثلاث العقبة والبترا ووادي رم كمنطقة سياحية متصلة، يمكن أن يشحذ العقول للتفكير بحزمة من المشاريع والأفكار الخلاقة التي تجعل منها كنزا أردنيا يرفد الاقتصاد الوطني بموارد لا تنضب، ويخلق فرصا للعمل لا تعود معها البطالة مشكلة في محافظات الجنوب.
لا تستطيع الحكومات أن تحمل هذه المهمة على عاتقها، لكن بوسعها أن تدير حوارا عاجلا ومباشرا مع المستثمرين ورجال الأعمال العاملين والمهتمين بالاستثمار في قطاع السياحة، وتقدم لهم جميع التسهيلات الممكنة لإقامة مرافق سياحية وترفيهية في المناطق الثلاث لجذب المزيد من السياح وإطالة إقامتهم هناك.
بقاء الوضع على ما هو عليه من مستوى خدمات، يعني القبول بالحد الأدنى من العائد، وإهدار الفرصة التاريخية لتحويل كنوز التاريخ إلى ثروات مادية تعود بالنفع على الدولة والمواطنين.
المستثمرون في قطاع السياحة في المناطق الثلاث يشكون بمرارة من معوقات لا تنتهي وبيروقراطية تحد من نشاطهم وتحبط خططهم لتوسيع قاعدة استثماراتهم، فيما يحجم آخرون عن استثمار أموالهم بمشاريع سياحية لغياب الحوافز والأفكار الجاذبة.
الحاجة ماسة اليوم لوضع خريطة استثمارية شاملة لتوسيع نطاق الاستثمار السياحي في تلك المناطق، والشروع في تطبيقها فورا.
الغد