الحرية .. القيمة الانسانية الاكثر اشكالية
د. عاكف الزعبي
02-06-2019 04:34 PM
الليبرالية الغربية ليست عقيدة. هي نهج حياة حاكته يد البشر . نهج مثّل خلاصة ثقافة الغرب بعد أن نحّى الدور السياسي للكنيسة ودخل عصر النهضة والتنوير. ويمثل حاضراً حاضنة طبيعية لإبداعات حضارة الغرب الحديثه ومبادراتها الريادية في كل مجال وبخاصة العلمية منها.
نهج ليبرالي غربي شامل استولده فكر فلسفي مستنير . سياسياً اسس للديمقراطية الغربيه ، واقتصادياً طوّر مدرسة اقتصاد السوق او السوق الحر ، وثقافياً كرس فكراً علمياً وعلمانياً فجرّ اربع ثورات علمية وبات يقف على اعتاب الثورة الخامسه .
ما تزال الليبرالية الغربية تحتفظ بحضورها الثقافي والسياسي والاقتصادي منذ قرن ونصف القرن . مرد ذلك قدرة ذاتية كامنة تمكنها من تطوير مسارها وتجديد دنياميتها ، لتنجح في تقديم نفسها نموذجاً حياً ملهماً لكافة المجتمعات البشريه .
لكنه نموذج ليس بلا تحديات . ترويض الحرية للتوافقات الثقافية والمجتمعية كان وسيبقى التحدي الاكبر امام النهج الليبرالي الغربي . فالحرية المطلقة في الحياة العامة هي فوضى مطلقة مثلما ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة .
في السياسه يشكل وضع سقوف توافقية للحريات الشخصية والعامة واخضاعها لارادة الاغلبية مهمة عسيره للنظام الديمقراطي لما ينطوي عليه الامر من تعقيدات تتصل بتفاوت الثقافات والمصالح بين فئات المجتمع ، وداخل الفئة الواحده في بعض الاحيان .
كذلك في الاقتصاد وضع سقوف ممكنة للسوق الحر ليست بالامر اليسير . مما يحمل الحكومة الديمقراطية مسؤولية تجاه ادارة الادوات الاساسية للاقتصاد (الضرائب ، واسعار الفائده ، وانفاق الموازنة ) بالاضافه الى السياسات الاجتماعيه ، وتشريعات منع الاحتكار .
اما ثقافياً حيث سقوف الحرية لا تشغل بال المنشغلين بتجليات العقل والفكر الاجتماعي والعلم والابداع ، فان النهج الليبرالي يواجه امتحانه الاصعب مع الحرية . خاصة وان النتاج الفلسفي والفكري والعلمي والابداعي يسبق التشريعات دائماً مخلفاً فجوة لمعالجة تشريعية لاحقه . والفجوه باقية مادامت الحرية هدفاً متحركاً وعابراً للسقوف .
هذه هي حال الحرية ، قيمة انسانية مجتمعية عليا بمحتوىً اشكالي عميق لاستعصائها على المعايرة بانظمة المواصفات والمقاييس . دولٌ متخلفة كثيره ادارت ظهرها للتعامل مع عبء الحرية الكبير واستسلمت لخسارات ثقافية وسياسية واقتصادية أتت على حاضرها ولا تزال تزحف على قادم مستقبلها.