أبرز مشاكلنا أننا نحب ونكره، وتنعكس ھذه الطریقة على تقییمنا لكثیر من القضایا والأشخاص، وقلة فقط، تقف عند المعلومات وتحللھا مثلما ھي.
حین قررت الحكومة الحالیة، التي یرأسھا الدكتور عمر الرزاز، اجراء تعدیلات على قانون ضریبة الدخل، تم التحذیر مرارا من تراجع التحصیلات المالیة للخزینة، لأن القاعدة الاقتصادیة تقول إنھ كلما زادت الضرائب والرسوم كلما تراجعت تحصیلات الخزینة المالیة وتعمقت الازمة، وھي قاعدة مھمة، لم تقف عندھا الحكومة، وقد حدث ما كان متوقعا، وقد أقرت الحكومة أن تحصیلاتھا المالیة تراجعت، وباتت تواجھ أزمة اكبر، ولم یعد امامھا من حلول سوى المزید من القروض، وقد تجد نفسھا بعد قلیل في حل من تعھداتھا الأخرى.
بالمقابل، حكومة سمیر الرفاعي في 2009 نجحت في تخفیض عجز الموازنة بنحو نصف ملیار دینار بعد أن خفض ّ ت نسبة ضریبة الدخل، وحسنت من كفاءة التحصیل الحكومي، وأصدرت أواخر 2009 وبعد تشكیلھا مباشرة قانونا جدیداً لضریبة الدخل رقم (28 (لسنة 2009 ،الذي تم بموجبھ خفض نسبة ضریبة الدخل على مختلف الافراد والقطاعات الاقتصادیة، وإلغاء عدد من الرسوم والضرائب كضریبة الخدمات الاجتماعیة وعدد من الضرائب والرسوم الإضافیة.
نحن لسنا في سیاق للمقارنة بین حكومتین، أو في سیاق للتبشیر بھذا الرئیس، أو التنفیر من ذاك الرئیس، أو لكوننا نحب ھذا، أو لا نحب ذاك، لكننا نتحدث عن فروقات التجارب، التي توجب السؤال حولھا، حتى مع تغیر الظروف، ووجود عوامل مستجدة؛ داخلیا وإقلیمیا، نضعھا في الحسبان.
الواضح الیوم، ان الحكومة الحالیة، مع الإقرار بتعرضھا لھجمة غیر أخلاقیة من بعض الجھات، إلا أن نقدھا لا یعني ابدا ان الناقد یصب نقده في حسابات من یستھدفون الحكومة لاعتبارات غیر مھنیة، وفي الوقت ذاتھ، لا یجوز للحكومة الحالیة، أن تواصل الاختباء وراء المظلومیة طلبا لمزید من الحمایة، وللتغطیة على كلفة قرارات خاطئة وبالذات على الصعید الاقتصادي الذي نعاني منھ ھذه الأیام، وھي معاناة تقول مؤشراتھا انھا تتصاعد یوما بعد یوم.
وفقا لما أعلنتھ الحكومة امام النواب، قبل أیام، فنحن امام ازمة جدیدة بسبب تراجع التحصیلات المالیة، ولم تقل لنا الحكومة أي شيء عن الطریقة التي ستواجھ بھا ھذه التراجعات، خصوصا أن سیاسة الاقتراض أیضا، والسعي لتبدیل الودائع العربیة وتحویلھا إلى قروض اذا وافقت الدول صاحبة الودائع، امر لا یبشر بخیر ابدا، وھو نتاج سیاسات حكومیة خاطئة، تواصل الحكومة التورط فیھا، وكأننا وسط رمال متحركة.
بعد فترة سنخوض مفاوضات شاقة جدیدة، مع مؤسسات دولیة بشأن القروض، ووضعنا الاقتصادي، وبالرغم من ان الحكومة تقول ان لا ضرائب جدیدة، فقد نجد انفسنا امام وضع جدید، أسوأ اقتصادیا، یتم التحایل على معادلاتھ، بحلول مالیة من نوع جدید، وقد ألمح مسؤولون إلى قصة الھیكلة، وان قدموھا بطریقة غیر الطریقة المعتادة، وسط تذمر حكومي سري، من وجود ربع ملیون موظف، یستھلكون الملیارات سنویا، على شكل رواتب ومخصصات، وتتمنى كل الحكومات لو تتخلص من مائة ألف موظف، لكن لا قدرة لدیھا على ذلك.
حتى لا نكون سلبیین، لا بد من تقدیر تصرف الحكومة بالموافقة على قرار الضمان الاجتماعي بزیادة آلاف المشتركین، زیادة مالیة بسیطة، لكنھا قد تكون مؤثرة، وإذا كانت ھذه الأموال في طبیعتھا لیست حكومیة، بل أموال الناس واقتطاعاتھم، إلا أن دعم القرار من جانب الحكومة یؤشر على نیة طیبة للوقوف إلى جانب الناس، وھذا أمر یستحق التقدیر، من حیث المبدأ العام.
لا بد الیوم، من معالجة مختلفة، للوضع الاقتصادي، ولا اعرف ماذا یمنع الحكومة الحالیة من استشارة خبراء اقتصادیین من خارج الحكومة لا یفكرون بالحلول الضریبیة فقط. وللمفارقة فإن الحكومة كلما فرضت ضرائب إضافیة، كلما تراجعت تحصیلاتھا، وتسببت بتدمیر متواصل للقطاع الخاص، وكأنھ یراد شطب ھذا القطاع كلیا، دون ادنى مسؤولیة امام حالات الإفلاس والإغلاق وتفشي الدیون، واغلاق الوظائف، وتسریح الموظفین، والحكومة ھنا، تتسبب جزئیا، مع حكومات سبقتھا، بما وصلنا الیھ من وضع صعب للغایة، حتى لا نحمل الدكتور الرزاز، المسؤولیة وحیدا.
خلاصة الكلام، ان القطاع العام، لدینا مرھق وغیر منتج، والقطاع الخاص یتم تدفیعھ الثمن.
الغد