هل نحن امام صناعة هويات واوطان جديدة
لا يمكن وضع تاريخ محدد لولادة القضية الفلسطينية ،ولا يمكن ان نضع تاريخ لوفاة هذه القضية ،
لكن الاطراف المعنية الخارجية تحمل نعشا فارغا حينا تريد ان تملأه بالمقترحات غير القابلة للتطبيق أو انها تصوب من
على بعد تستهدف الرأس الفلسطيني ..
القضية الفلسطينية ليست قضية شائكة عند اهل فلسطين فهي واضحة من حيث الحق التاريخي وأحقية اصحاب الارض ، وليست بالقضية عند الفلسطينيين بل هي قضية عند غيرهم في العالم الذي يسعى لحل على حساب الحق والارض والشعب وعلى حساب عروبة الارض من فجر التاريخ.
وبعد اكثر من مائة عام من المساومات والحروب واللجان والقرارات ، والمقاومة لا زالت هي المقاومة الصلبة ،والقضية هي ذات القضية ، ولا زال الصمود الفلسطيني في عنفوانه ،ولا زال العرب بين مرتبط معنويا في القضية وبين من غاب عنها للابد وبين من يشعر انه قضيته . نقول بعد مائة عام ولكن بالحساب من مؤتمر بال الصهيوني فان الرقم هو مائة وعشرون سنة
نجح وعد بلفور في تنفيذ الاحتلال والاغتصاب بقوة السلاح ، ونجحت سايكس بيكو بفرض التقسيم لبلاد الشام بالمكر السياسي وبعض التواطؤ ولكن بسبب الضعف العربي بشكل اساسي ، ولكن لم ينجح العالم ممثلا بهيئة الامم المتحدة ،ولا كل القوى العظمى بتحقيق الاستقرار او اقناع الشعب الفلسطيني والعربي الحر بكل مخططاتهم ،ولم تتوفر ادنى درجات الثقة بكل الوعود والمقترحات ولا بكل الجولات والمؤتمرات .
عشنا ولادات فاشلة لمشاريع حلول وكلها كانت تدور حول الحق العربي ولكن لا تصيبه ، واثبت الشعب الفلسطيني ويكاد ان يكون الشعب الاردني هو الوحيد الذي يعيش ذات المعاناة ،اثبتا ان لا حل ايا كان لا يضمن الحق الفلسطيني في دولته الكاملة وفي القدس عاصمة عربية فلسطينية ،ولكن نشعر بالالم اننا حين نتحدث عن هذا الحل فاننا قد تنازلنا عن فلسطين المحتلة أو اننا نتركها للتاريخ والاجيال القادمة ،فحقيقة الصراع لا ولن ينتهي الا بالحق الكامل واخراج المغتصب نهائيا ،وستثبت دورة التاريخ الحتمية هذا الامر كحقيقة .
ولكن اليوم وبعد مؤتمر القمة العربية الطارئة في مكة المكرمة ،نشعر اننا على عتبة مرحلة جديدة لا يمكن ان تحتمل المماطلة والتسويف ،لاننا امام تطبيق وتنفيذ عملي لافكار جريئة لا تراعي الحدود ولا الشعوب ، وعلى الجميع ان يكون جاهزا لأن يتغير ، وان يدرك مخطط لنسف كل القرارات السابقة بخصوص القضية الفلسطينية وان نستعد لقرارات القوى العظمى ، فقد سقط قرار 242 لعام 1967 مرتين : الاولى حين اجبر الاردن على اتخاذ قرار فك الارتباط مع الجزء المحتل من ارض المملكة الاردنية الهاشمية (الضفة الغربية ) لتؤول هذه الارض الى منظمة التحرير الفلسطينية وتدخل في مفاوضات على اساس انها ارض متنازع عليها لا ارض محتلة ،فقد خرج صاحبها الشرعي القانوني وفق القرارات الدولية من المعادلة وتم تجريده من المسؤولية ،والسقوط الثاني باعلان صفقة القرن التي تتضح معالمها تدريجيا دون اعتبار لأي قرارات دولية سابقة .ولا نعلم حتى الان لماذا كانت المطالبة بالضفة وهي تحت الاحتلال ،ولم يتم المطالبة بها وهي تحت الادارة الاردنية ،ولربما هذا يذكرنا بمشروع هزاع المجالي الذي اراد ان تكون الضفة الغربية دولة فلسطينية وهذا كان موقف الاردن في مؤتمر شتورا 1960 ،وكانت مكافأة هزاع باغتياله والهدف اغتيال اي مشروع يوجد دولة فلسطينية .
وقد اسقطت صفقة القرن قراري 194 و198 بخصوص عودة اللاجئين الى فلسطين وقد عززت الولايات المتحدة ذلك برفض دعم الاونروا المعنية بمساعدة اللاجئين على اعتبار ان لا داعي لها في سياق تطبيق صفقة القرن التي تنص ان لا لاجئين سيكون في المستقبل بل سيتم توطين الجميع في ارض جديدة او حيث هو الان .
ربما اننا ندرك تماما الاصرار على رفض صفقة القرن ،وان محاولات معالجة الاوضاع بالمليارات لا ولن تؤتي بأية ثمار ،وان المليارات لا تصنع وطنا بديلا ،ولن تمنح هوية جديدة ولن تصنع املا ايا كان ، وصفقة القرن هي صفقة مادية تجارية لا يمكن ان تحل مشكلات الشعور بالمواطنة واستلاب الارض ولن يكون فيها اي بديل عن الوطن الاصلي ، فالهوية لا تُصنع والوطن لا يُستبدل الا اذا كان الاعتبار عند اهل الصفقة انهم يتعاملون مع مجموعات من الهنود الحمر او مع قبائل غارقة في الجهل . ولن تتجاوز صفقة القرن معاملات البيع والشراء .
في قمة مكة المكرمة لخص جلالة الملك عبدالله الثاني المشكلة بخطاب موجز فلا حل ولا امن ولا استقرار الا بحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه فوق ترابه الوطني وفي دولته فلسطين وعاصمتها القدس العربية .
وهذا صوت اردني هاشمي خرج من ارض الاردن الاقرب بل التوأم لفلسطين وسنبقى دوما على العهد والوفاء لقائدنا ،وسنبقى دوما في خندق اخي الفلسطيني الذي كرامتي من كرامته وأمنه من أمني .
مقاومة صفقة القرن واسقاطها هو الاحياء لقرار 242 وقراري 194 و198 وكل القرارات المنصفة للقضية الفلسطينية.
ولكن نحن في مرحلة وعي كبير وادراك يجعلنا نعيد ترتيب اولوياتنا ونعرف ما هي مصالحنا في وحدة وطنية حقيقية تتجاوز الشعارات الانتخابية والمصلحية وتمس عمق عروبتنا وتجذير هويتنا .