عادل امام يخطو الثمانين. لأول مرة يغيب الزعيم عن الشاشة. وثمة ما يبعث على التأمل في رحلة زعيم المشاغبين، ومن صنع للعالم فهما آخر لا يوازيه في كوميديا خالدة. قصة عادل امام مع الشاشة طويلة منذ ان اكتشف منه نجيب الريحاني بطلا.
دخل عالم الفن متراوحا بين الوعي والإرادة، والإبداع والفطرة، والربح والخسارة والانتقام والصفح. لربما هو الفنان الأوحد الذي طالت إقامته على عرش النجومية « الزعيم «، وخصوصا ان عادل امام من نفسه صانع لكلشيهات الكوميديا والضحك والبكاء، وهو اكثر من استوطن في وعي ولا وعي جمهوره بمسيرة واطمئنان.
وفِي فنه نازل كل الطبقات الحاكم والمحكوم والغني والفقير، العامل والملاك، والمثقف والأبله والسخيف، والسلطوي الرقيع ومشتهي السلطة بامراضها الوضيعة. في مسرحية مدرسة المشاغبين 78انسحب على السلطة، واتُهم ومجموعته بأنهم يلهون الجماهير، ويفسدون اخلاق الجيل، وعرض المسرحية لم ينتهِ حتى اليوم.
عادل امام فنان من الصعب ان تراه من زاوية واحدة. ولا مهرب في رمضان وغيره من السؤال عن فنان بوزن «عادل امام»، وفِي سيرته الفنية ما يكفي لفتحها وتقليبها من كل الزوايا والأبعاد.
«نجم الشباك « الاول في مصر، والنجم الأوحد الذي استقر على قمة عرض الفن المصري لم يشبه أحدا من سابقيه في الفن المصري والعربي. لعب أدورا فنية خارقة، وأدوارا من الصعب أن تمحى من ذاكرة الجماهير، ولا تزال مسرحياته وافلامه ومسلسلاته الدرامية تثير الاعجاب والدهشة.
من ميزات عادل إمام الفنية وروح إبداعه انه تنقل بين الطبقات الغلبانة والثرية، والسلطة والمغلوب على أمره، والعامل والوزير. وكلما حل على طبقة تحدث باسمها ليكون هو الزعيم. كريزما فنية نادرة، عندما يضع الفنان العالم مندهشين أمام سلطته الابداعية.
في رحلة عادل امام الفنية تتابع مراحل التحولات والانقلابات الاجتماعية والسياسية في مصر. من انقلاب وتحور وتحول النماذج السياسية من الناصري والساداتي والمباركي، الى الاخواني، وما بعد ثورة رابعة. من مشروع الدولة الاشتراكية الى الانفتاح والاستهلاكية الرأسمالية الى دولة البنى التحتية، والمشاريع الوطنية، وأزمة الخدمات، والسكن والصرف الصحي والازدحام المروري، والتلوث.
في معركة الدولة المصرية ضد الارهاب في تسعينات القرن الماضي ظهر عادل امام كبطل تراجيدي يدافع عن الفن والحياة العدو الثاني للجماعات المتطرفة والارهابية والتكفيرية بعد العدو الاول « السلطة «. وفي مسرحية «بودي غارد «، وهي المسرحية الاطول عرضا في تاريخ المسرح العربي، لاكثر من عشرة أعوام استمر عرضها، وما زالت تثير إعجاب المشاهدين.
عادل امام نجم عابر للازمان « صاحب الإفيه « والغمزة التي تراكمت وساهمت في فهم العالم، وتفسير ما يجري به. في رمضان الجاري غاب عن الشاشة الصغيرة، ولربما أن هذا وراؤه تهافت الدراما الرمضانية، ولا يختلف اثنان على أن عادل أمام مهما كان موضع اختلاف كفنان الا أنه عند متابعة أعماله الدرامية والمسرحية والسينمائية يقع المشاهد في فخ الدهشة والرغبة في المتابعة، وهذا هو سر عادل امام . ما رأيكم أيها السادة؟
الدستور