هناك الكثير ممن يخلطون بين أمرين متعاكسين للغاية، بين حرية التعبير، وبين التعدي على الآخرين، تحت شعار حرية التعبير. فالأولى هي الفضاء المفتوح لإبداء الرأي، دون الحاجة إلى مهاجمة الطرف الآخر بشراسة أو دون امتهان لكرامته وهويته وإنسانيته، أما التعدي على حريات الآخرين والطعن في كرامتهم والسخرية من معتقداتهم أو أي أمر آخر له علاقة بخصوصيات الأفراد والجماعات أو الدولة فهذا الأمر لا علاقة له بالحرية مطلقاً، وإنما هو نوع من أنواع الجريمة التي يعاقب عليها القانون وترفضها الأخلاق الانسانية..
نجد اليوم أن هناك الكثير من الأفراد يخوضون في قضايا الناس لينتهكوا خصوصياتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بحجة حرية الرأي والتعبير دون الالتفات إلى الجريمة التي يمكن لها أن تقع من وراء هذا السلوك المنفلت، فكل فرد منا يستطيع تشويه صورة أي شخص يختلف معه في الرأي والفكر والعقيدة لكن تلك ليست بمهارة أو شطارة، وإنما تعتبر تعدياً على خصوصيات الآخرين والقفز فوق القيم الإنسانية، وهنا يتجلى الفرق بين حرية التعبير وبين سوء التربية الاسرية والوطنية.
في ظل الظروف الراهنة الصعبة التي تعيشها المنطقة، يجب على الجميع التكاتف من أجل قطع الطريق على كل المتصيدين في الماء العكر، والحذر من الانجرار خلف مواقع التواصل الاجتماعي التي لا همَّ اليوم لها سوى بث الفرقة والخلافات وإشاعة الفتنة بشكل منظم، وأن نكون أكثر يقظة في كشف كل جهة تريد إشعال الفتن بانوعها كافه بين أبناء الوطن الواحد، فبعض الوسائل الإعلامية تحاول قدر المستطاع تكبير التافه وتصغير الأهم في واقعنا المعاش، ومع الأسف فإن الكثير منا بدؤوا ينجرفون خلف الشائعات والأخبار المغلوطة في زحمة مواقع التواصل الاجتماعي دون التدقيق في صحة المعلومات التي تردهم كل دقيقة، وهم بذلك يساهمون في صياغة واقع مغلوط مليء بالأوهام والخرافات والأكاذيب. إن أخطر ما في هذا الشأن هو أن تكون هناك انعكاسات عملية لهذا الحراك الإعلامي المجتمعي بحيث يتحرك وعي المجتمع أو ينطلق من خلال أخبار غير صحيحة ومن منصات إعلامية تعتمد على الكذب والتدليس ليصلوا بعد ذلك لمرحلة التفاعل مع الواقع بشكل مدمر.
من هذا المنطلق يجب على المواطن ان يقوم بفلترة كل ما يرد إليه من معلومات أو أخبار عبر السوشيال ميديا وان لا ينساق خلف كل ما يصله من أخبار، والأهم من كل ذلك ألا يساهم في تأجيج الأوضاع المجتمعية والسياسية والاقتصادية من خلال التفاعل الكاذب مع وسائل التواصل الاجتماعي، ليقوم هو الآخر بنشر الفوضى بين الناس من خلال هذه المواقع بحجة إبداء الرأي وحرية التعبير. فرفقاً بأنفسكم ومجتمعاتكم التي تعيشون فيها، فمن يقوم بتخريب بيته وتشويه سمعة قاطنيه فإنه لن يستطيع العيش فيه بعد ذلك. ومن جانب اخر فمن الطبيعي علينا احترام الاخرين ويجب احترام حريتهم ايضآ واحترام آرآئهم فلكل شخص له حريته باتخاذ قراراته ويجب احترام الاشخاص بل تشجيعهم على طرح ارآئهم وابداء الرأي فالحريه نوع من الديموقراطيه والاحترام هو أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان.
لقد أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود، وقد جاء في المادة 19 كذلك من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة، ولكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأية وسيلة أخرى يختارها. وتتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدودة بنص القانون أو تكون ضرورية. لذلك يجب احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة للدولة مع أن حرية التعبير هي بالاصل بدون رقابة أو قيود حكومية، بشرط ألا تمس طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقا لقوانين وأعراف الدولة، ومهما كانت حرية التعبير مقدسة، فلابد لها من ضوابط تنظم ممارستها، لحماية المجتمع من الفتن والصراعات، وتزداد الحاجة لتلك الضوابط عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الأديان والمقدسات، وخاصة عندما يكون المجتمع مكون من عدة ثقافات وأديان وقوميات، وحرية التعبير هذه حرية مسؤلة، تراعي المصلحة العامة، وتعود بالنفع على المجتمع، وتكون حرية التعبير سلاح ذو حدين، عندما تنقلب المعادلة وتصبح حرية التعبير تعدي وعدوان، فهي بذلك تعد جريمة لابد من معاقبة مرتكبيها لأنهم يعبثون بأمن المجتمع وسلامته ووطنيته. واعتقد ان الجميع يتفق مع هذا المبدأ ومن هنا جائت القوانين الاخيرة لظبط هذة السلوكيات خصوصاً ان الانسان بهاتفه النقال اصبح صحفياً واعلامياً وناقلاً للحدث مباشرةً ويسبق بهذا كل وسائل الاعلام. وبقي اخيراً ان أقول ان تعظيم الانجازات المجتمعية والوطنية وتبيانها وابرازها هي أولى من ان اي موضوع اخر لا نعلم حقيقته وفلسفة ابعاده.