سمو سيدي وليّ العهد .. «بيسلم عليك»
عريب الرنتاوي
19-05-2007 03:00 AM
الوقت: تمام الساعة العاشرة والنصف مساء ، الهاتف المتنقل يعزف مقطوعة "انت عمري" ، أسارع بالضغط على "الزر الأخضر" فيأتي الصوت من الجانب الآخر مشبعا بنبرة خليجية مطعّمة: مساء الخير أستاذ عريب ، والحمد لله على سلامتك ، أنا الدكتور محمد التويجري من مؤسسة الملك فيصل الخيرية في الرياض ، كنت قد اتصلت بمكتبك وأخبروني أنك مسافر ، الحمد لله على السلامة مرة أخرى.عريب: شكرا لك يا أخي الكريم ، لقد أخبروني بالمكتب بذلك ، ولكنهم أكدوا لي بأنك لم تترك رقم هاتف أو وسيلة لأعاود الحديث معك عند عودتي.
التويجري: أخذت رقم الفاكس في مكتبك ، وأرسلت لك دعوة من المؤسسة الملك فيصل لزيارة الرياض للبحث في سبل التعاون بين مركزكم الموقّر والمؤسسة ، الإخوان هنا يتابعون نشاطكم باهتمام وارتياح ، وانتم والحمد لله معروفون لنا ، وسمو سيدي ولي العهد يهديكم تحياته ، ما شاء الله "كأنكم علم في رأسه نار".
منتشيا بعبارات الإطراء من الوزن الثقيل ، وحكاية النار والعلم ، قلت بقليل من التبجح: أشكرك وأشكر سمو ولي العهد ، ونتشرف إن شاء الله بزيارة الرياض والبحث عمّا يمكن أن يكون مشتركا لتعاون لاحق بيننا ، وآمل أن تكونوا قد أخذتم فكرة عن طبيعة أنشطتنا وتوجهاتنا من موقعنا الالكتروني ، قلت ذلك خشية أن يكون الأمر ملتبسا على محدّثي ، فنحن ننتمي إلى مدارس فكرية مختلفة.
التويجري: وهل يخفى القمر ، معروفين طبعا ، والمهم أن زميلي الدكتور علي الفقه سيكون في عمان يوم الخميس بعد الساعة الخامسة مساء ، قادما مع زوجته من الولايات المتحدة ، وسينزل في فندق "الريجنسي" في عمان ، وقد أعطيته بعد إذنك ، اسمك ورقم هاتفك وهو يحمل معه رسالة دعوة شخصية لك لزيارة الرياض ، وهو مخوّل بالبحث معكم بصورة أولية في مجالات التعاون التي لا أرى ضرورة للحديث عنها الآن عبر الهاتف.
عريب: إذن سأنتظر اتصال الدكتور الفقيه ، وأشكرك مرة أخرى والسلام .. سلام.
- - -
الوقت: صبيحة اليوم التالي ، الساعة التاسعة إلا ربعا صباحا ، الهتاف النّقال يعزف مرة أخرى المقطوعة ذاتها ، أما على الطرف الآخر فكان شخص آخر يتحدث باللكنة الخليجية المطعّمة ذاتها ، ولكنه يقدم نفسه على أنه الدكتور علي محمد أحمد الفقيه ، متحدثا من مطار ديترويت بولاية ميتشغان.
الفقيه: صباح الخير أستاذ عريب ، أنا الدكتور الفقيه الذي حدثكم عني الدكتور التويجري ، كان من المفروض أن أصعد الطائرة المتجهة إلى عمان ، ولكن إجراءات الأمن في المطار والتعامل السيئ الذي قوبلت به أنا وزوجتي في المطار ، أفقدتني الطائرة وأنا الآن في المطار بانتظار الرحلة التالية ، ولدي مشكلة صغيرة أجد نفسي مترددا في بحثها معكم.
عريب: أبدا يا أخي ، كان الله في عون المسافرين العرب ، خصوصا السعوديين في المطارات العالمية ، والأمريكية على وجه الخصوص ، الله يجازي اللي كان السبب ، أي خدمة ؟،
الفقيه: تذاكرنا لم تعد صالحة ، والبنوك في السعودية في إجازة اليوم الخميس ، ولا أحمل "كاش" وقد أبلغوني بأن أي مكتب صرافة في عمان يستطيع في غضون دقائق أن يحوّل المبلغ عن طريق "ويسترن يونيون" وأنا أجريت اتصالات مع مكاتب صرافة في عمان "السالم ، أبو شيخة ، علاونة ، العلمي" الذين قالوا يكفي أن يأتي أي شخص يودع مبلغا من المال ليكون عندك في غضون دقيقة ، وكل ما أريده هو مبلغ 1452 دولارا فقط ، ثمن التذاكر وسأعيده إليك فور وصولي إلى عمان.
عريب: تكرم عينك ، أعطني اسم ورقم هاتف ، وأنا سأتوجه الآن إلى مكتب الصرافة.
الفقيه: الله يستر عليك كما سترت علينا ، وإليك الاسم والعنوان: "Mr. Cheikhouna Diakhate, 0261 airport road, Detroit - Michigan" هنا شعرت للحظة أنني أمام شحاذ أو متسول أو نصاب ، وبدأ "الفأر يلعب في عبي" ، وقلت في نفسي: سبحان الله ، السعودية بتموّل أمة لا إله إلا الله ، وعند أول دعوة لي لزيارة الرياض يطلب إليّ أن أموّل السعودية؟ ،
قررت أن أتحقق من الأمر قبل الشروع في أية خطوة. طلبت إلى السكرتيرة الاتصال بفندق "الريجنسي" الذي أنكر وجود حجز باسم الفقيه وعائلته ، استرجعت أرقام الهواتف المستخدمة في الاتصال بي من الرياض وديترويت ، فوجدت أن الرقم ذاته يتكرر هنا وهناك ، وأخيرا قررت الاتصال بمؤسسة الملك فيصل للاستفسار عن الأسماء ، فما كان من "عامل السنترال" على ما يبدو ، وبعد أن استمع إلى الأسماء المستفسر عنها ، إلا أن بدأ بسرد وقائع ما دار معنا من دون أن نخبره بشيء ، مؤكدا أن ليس من بين طاقم المؤسسة من يحمل هذه الأسماء ، وليس من سياستها الاتصال من هواتف عمومية ، وأن ما نتعرض له ليس سوى محاولة نصب تعرضت لها مؤسسات شبيهة في لبنان وسوريا وفلسطين وبنفس الطريقة.
اتصلت بالرقم "080099888" الذي خاطبني من خلاله التويجري من الرياض والفقيه من ديترويت ، فجاء الرد من الجهة الأخرى: شكرا لاستخدامكم بطاقة "معاك" المدفوعة مسبقا ، الرجاء إدخال رقم البطاقة الآن.
لم يعاود المحتالون الاتصال بي ، فالأرجح أنهم كانوا يتابعون مكاتب الصرافة وما إذا كان مبلغ من المال قد أودع لحساب الاسم والعنوان المذكورين ، وعندما تيقنوا بأنني لم أودع المبلغ ، أدركوا أن لعبتهم قد انكشفت