فشل النادي الفيصلي في انتزاع اللقب العربي . لكن ذلك مجرد خبر عارض في القصة الكبيرة . فلقد لعب فرسان الفيصلي بمهارة وبسالة وإقدام .. وبروح جديدة وثّابة. رأيت الفريق, الآن, مستعدا لخوض غمار المنافسات الاقليمية والدولية, فهو مشحون بشيء جديد " غامض " , هو ما سأتحدث عنه الآن.تأسس النادي الفيصلي في مطلع الثلاثينات . وصورته , اذن, تستقي من نبع البدايات العذب . وهذا هو الحبل السري الذي يربط الشبيبة الأردنية بالفيصلي . أعني أن الانحياز للنادي غير المنحاز ـ في تركيبته ولاعبيه ـ لأي لون في النسيج الأردني ,ولكن , فقط , الى سحر كرة القدم , هو تعبير عن الولاء لما هو مشترك ووطني وفوق الولاءات , اي الى ما هو أردني صلب غير قابل للتجزئة .
واذا كان الفيصلي قد انشغل ـ كالمجتمع الأردني كله ـ في لعبة المحليات , فان صعوده الأخير في حلبات المنافسة الاقليمية , أعاد الكشف عن هويته المحلية الأصيلة , وتمكن , كما لم يحدث سابقا , من استقطاب الاهتمام الوطني , ليس فقط جماهير الرياضة , ولكن المجتمع كله. ففي الأسابيع الماضية , اتشح الأردن بالأزرق!
صعود الفيصلي يماثل ويعكس صعود الأردن , ونزعته الى الاتقان والمنافسة والتحدي ـ وهي أهم من تحصيل فوز عابر ـ هي ذاتها النزعة التي تنتشر في صفوف الأردنيين في كل المجالات , من الصحافة الى الطب, ومن" الجهاد" الى" الأعمال", ومن التدين الى حياة الليل, ومن المعلوماتية الى الأدب !! انه بلد يمور بالأشواق , ويجتهد لكي يرسم صورته, وينزع الى التعبير القوي عن هويته.
وقد حصد الفيصلي , كل ذلك الفوران الوجداني عند الأردنيين . وليس كسحر كرة القدم سحر ينسج الخيوط النفسية والثقافية والاجتماعية والسياسية , في راية واحدة.
وما يهمني أن ألاحظه , هنا , أن هذه الراية هي راية الوطنية الأردنية التي تتبلور في مسار تاريخي خاص بها , ربما أنها لا تمثل هذا الاتجاه أو ذاك , وربما أنها تتحدى التصورات المسبقة جميعا , ولكنها تولد , موضوعيا , في رحم التاريخ , و لحسن الحظ , من دون رعاية رسمية او عربية او دولية . بالعكس , انها تولد على الرغم من كل محاولات الاجهاظ , كالسوسنة السوداء النادرة في البرية.