كل شيء ينبئ بالفشل. فريق كوشنر يقول إن مقاربته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تفكير خارج الصندوق، لكنها في الواقع تحطم الصندوق تماما، عندما تقفز عن حقائق الصراع الأساسية، وتقايض الحقوق بالمكاسب الاقتصادية.
اختارت الإدارة الأميركية أن تبدأ بعرض الشق الاقتصادي من خطة السلام، قبل الحديث في الجوانب السياسية، ولهذا قررت عقد ورشة عمل في البحرين أواخر الشهر المقبل، لم يوافق على حضورها لغاية الآن سوى دولتين، أو ثلاث إذا ما افترضنا مشاركة إسرائيل.
حصلت محاولات مماثلة من قبل، رافقها عرض سياسي أفضل قليلا من عرض كوشنير السياسي، وفي ظل إدارات أميركية أقل انحيازا لإسرائيل من إدارة ترامب، وفشلت كلها.
الجنة الموعودة في الشرق الأوسط بعد السلام مع إسرائيل استحالت إلى جحيم خلال العقود الثلاثة الماضية. لم يتحقق شيء من الوعود الاقتصادية لأن السلام العادل والقائم على حل الدولتين تلاشى تماما بفعل التعنت الإسرائيلي.
فريق كوشنير قال إنه يدرك هذه الحقائق ويريد أن يتخطاها لا لأنها غير قابلة للتطبيق، بل لأن إسرائيل لم تقبل بها!
بمعنى آخر كوشنير يريد تصميم خطة سلام في الشرق الأوسط تنسجم والمعايير الإسرائيلية، وهذا هو معيار الفشل والنجاح بالنسبة له.
خطورة الأفكار المطروحة للتسوية لا تكمن بالمكاسب التي ستجنيها إسرائيل، إنما في الخسائر الفلسطينية. صفقة السلام برمتها مصممة لتصفية الشق الفلسطيني من الصراع، على اعتبار ان الشق الإسرائيلي نال ما يريد وهو ماض في تكريس حقائق على الأرض لا تنتظر خطة أميركية أو سواها.
مشكلة الصراع من وجهة نظر فريق كوشنير تتمثل بوجود القضية الفلسطينية وليس الصراع مع إسرائيل. هذا الوجود ينبغي تذويبه بحل إقليمي واسع وليس تسوية مباشرة لقضايا الصراع الثنائي. بهذا المنطق يعتقد كوشنير وفريقه يمكن القفز عن قضايا اللاجئين والدولة ذات السيادة والقدس. ومن هنا يمكننا فهم مواقف الإدارة الأميركية من القدس، وإلحاحها على تصفية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، لحساب مشروع مساعدات دولي يستثمر في اقتصاديات المنطقة ويعوض الفلسطينيين عن دعم الأونروا .
هذا يعني أن صفقة القرن هى في حقيقتها حل اقتصادي لقضية الشعب الفلسطيني، وقد لا يكون هناك شق سياسي أبدا. ولهذا أطلق عليها وصف الصفقة .
وحتى لو افترضنا وجود مقاربة سياسية ستكشف عنها الإدارة الأميركية قبل أو بعد ورشة البحرين، فإنها لا تعدو أن تكون حزمة من الإجراءات الإدارية في مناطق السلطة الفلسطينية لتسهيل تطبيق الحزمة الاقتصادية.
يفترض الحل الاقتصادي بسذاجة بالغة أن المكاسب المعيشية والتنموية تكفي الفلسطينيين للتخلي عن الهوية الوطنية والشخصية التاريخية والحقوق السياسية التي كافح من أجلها الملايين على مدار سبعين عاما.
لن ينتظر كوشنير وفريقه الصهيوني طويلا ليدركوا فشل مقاربتهم. إنهم أقل حكمة من أسلافهم الذين خاضوا تجارب مشابهة في الماضي ونالوا تأييدا تفتقده صفقة القرن الموعودة كليا.
صندوق الصراع لا يمكن تحطيمه أو التفكير خارجه إلا بحلول ترضي الشعب الفلسطيني. الصفقة خاسرة قبل عرضها.
الغد