أهلا بـ «المسحراتي» السياسي
حسين الرواشدة
30-05-2019 01:28 AM
لا ادري لم ذكّرني «المسحراتي» الذي يفاجئنا بصوت «طبلته» فيوقظنا قبل ساعات السحور في رمضان، بـ»المسحراتي» السياسي الذي يفاجئنا ايضا بالصراخ ودق الطبول لتفزع ونعلن النفير العام، كلما لاح في الافق خطر، او اثارت الغبار في بلادنا «زوبعة» عابرة.
صحيح، في فترة من تاريخنا كان واجب «المسحراتي» ايقاظ الناس للسحور جزءا من الفلكلور الرمضاني، لكن ما اعرفه ان عدم وجود الوسائل اللازمة لتنبيه الصائمين الى قرب موعد السحور جعل من هذه الوظيفة مقبولة ومطلوبة ايضا، الآن تغيرت الاحوال، وصار بوسع الجميع ان يضبط ساعته او هاتفه على موعد محدد، وان يستيقظ بالتالي في اية ساعة او دقيقة يحددها.. مما يعني ان حاجتنا «للمسحراتي» انتهت تماما، وان ضربات الطبل الذي يحمله لم تعد لازمة.. اللهم الا اذا كانت مجرد فلكلور، نضيفه - اليوم - الى مئات المسلسلات الرمضانية، والمظاهر المغشوشة التي الصقناها بهذا الشهر الفضيل.. بعيدا عن مقاصد الصيام واهدافه، وقيمة وحقيقته التي فرض من اجلها.
منذ 24 يوما مضت على بداية رمضان، وانا - وغيري ربما - نعاني من ازعاج المسحراتي الذي يطوف الشوارع في منطقتنا ، يبدأ الرجل مشواره في تمام الساعة الثانية والنصف، ويمر من امام العمارة وهو يضرب بكل ما اوتي من قوة على الطبل الذي يحمله، وكأن بينه وبين هذا «الطبل» ثأرا قديما، ثم يصرخ بأعلى صوته داعيا الصائمين الى الاستيقاظ، وفي كل مرة يستيقظ اطفالي مفزوعين خائفين، وتهتز جدران منزلنا من وطأة «التطبيل» وضجيج الصوت الذي يخرجه الرجل من اعماق صدره.. ويا ليته يجيد ذلك - كما يفعل المنشدون - او يرق لأحوال الاطفال والمرضى فيكتفي بضربة او ضربتين او عشر لكنه - سامحه الله - لا يغادر باب العمارة الا وقد صحا اهل الحي كله.
بعض الذين يشتغلون بالسياسة من المحترفين والهواة ايضا يمارسون دور «المسحراتي»، هؤلاء يطلون علينا في مواسم محددة، ويتعمدون ايقاظنا ثم يخلدون الى نومهم العميق، وحين ينتهى الموسم يطرقون ابوابنا ليذكرونا بانفسهم، على امل ان نقول لهم شكرا، او ندفع لهم نصيبهم من الاجر ورد الجميل.
مشكلة «المسحراتي» السياسي انه يقول كلمته ويمشي، تماما كما يفعل المسحراتي في ليالي رمضان حين يدق طبلته ويمشي، ليس لديه قضية يدافع عنها، ولا يهمه اذا ما كان مصدر ازعاج للمستمعين ام مصدر «اسعاد « لهم، انه يتقن عملية الصراخ ودب الصوت فقط، وضميره مرتاح للوظيفة التي يقوم بها، كما ان دوره ينتهي حين تبدأ لحظة المواجهة، مواجهة الصبر على الازمات وما قد تفضي اليه من كوارث.
المسحراتي السياسي يستغل مشاعر الصائمين عن «السياسة» وعن المشاركة في العمل العام، الزاهدين في الجلوس على موائد المترفين والفاسدين، فيتعمد «افزاعهم»، ليس من اجل ان يدفعهم للاستعداد لايام صعبة قادمة، او الانتباه لاخطار محدقة، وانما من اجل الحفاظ على دوره « الفولكلوري» في قيادة الجماهير، ثم الظهور بمقام البطل الذي انذر، ثم لاحقا لكي يعذر.
غالبا ما يكون بيد المسحراتي السياسي «طبلة» تشبه الاعلام تماما، يضرب عليها بقوة، ويحشد معه اشخاصا اخرين ليرددوا وراءه المعزوفة ذاتها، وهم في الغالب لا يعرفون ما يريده هذا المسحراتي لانهم مجرد «كومبارس» جاهز للتصفيق، الان تغيرت الصورة واصبح لدى الناس وسائل اعلام تكشف لهم كل شي، وتطلعهم على كل مستور، وبالتالي فانهم ليسوا بحاجة الى مسحراتي، اللهم الا اذا كان وجوده جزءا من الفلكلور السياسي ايضا.
الدستور